كشفت وزيرة الزراعة الروسية، أوكسانا لوت، أنَّ "صادرات روسيا من الحبوب في العام الزراعي 2023 بلغت 72 مليون طن". وأشارت في حديث للصحفيين أثناء تواجدها في جمهورية "قبردينو بلقاريا" الروسية، ضمن الوفد المرافق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أنَّ هذه الأرقام "أعلى من التوقعات ومما تم الإعلان عنه سابقاً".

تتسق هذه الأرقام مع بيانات "المجلس الدولي للحبوب"، التي تشير إلى أنَّ روسيا باتت تستحوذ على ربع صادرات القمح العالمية، مما يعزز من موثوقية روسيا كقوة عالمية. وهذا الأمر يمثل فشلاً جديداً للغرب ودول حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وعلى رأسها الولايات المتحدة، في تقويض قوة وحضور روسيا.

روسيا قوة زراعية عالمية
المجلس الدولي للحبوب "IGH" هو مؤسسة دولية بين الحكومات موجودة في 55 دولة. ويعرف المجلس بتوفيره لبيانات دقيقة تتمتع بمصداقية عالية عن 16 منتجًا، منها القمح والذرة والبذور الزيتية والأرز، بالإضافة إلى البحث عن أسواق جديدة.

وكان "المجلس الدولي للحبوب" قد رفع توقعاته بشأن صادرات القمح الروسية في نيسان (أبريل) الماضي من 52.1 مليون طن، وفقًا لبياناته في شباط (فبراير) 2024، لتصبح 53.1 مليون طن في نيسان (أبريل) 2024، أي بزيادة تبلغ 10 بالمئة.

وبالرغم من أن روسيا كانت دائمًا في صدارة الدول المصدرة للقمح عالميًا، إلا أن لهذا الرقم دلالات بالغة الأهمية. فهو أعلى رقم تسجله صادرات القمح الروسية في تاريخها المعاصر، مما يعكس حجم التطور الذي تشهده في هذا القطاع الحيوي، وعلى صعيد صادرات القطاع الزراعي بشكل عام.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أشاد في وقت سابق بتحول روسيا من مستورد إلى مصدر للمنتجات الزراعية، حيث سجلت الصادرات الزراعية نموًا هائلًا في السنوات الأخيرة، وتجاوزت صادرات الأسلحة والمعدات العسكرية، رغم أن روسيا تعد المصدر الثاني للسلاح عالميًا بعد الولايات المتحدة.

في غضون عام واحد فقط، سجلت صادرات المنتجات الزراعية الروسية زيادة بنحو ملياري دولار، حيث قفزت من 41.3 مليار دولار عام 2022 إلى 43.1 مليار دولار عام 2023، أي بنسبة نمو تبلغ نحو 4 بالمئة. وذلك حسب بيانات رسمية صادرة عن الجمارك الروسية. الجدير بالذكر أن العام الزراعي يبدأ من تموز (يوليو) حتى 30 حزيران (يونيو) من العام التالي.

زيادة التأثير السياسي
يُعد القمح مادة أساسية في الغذاء، ويعتمد عليه نحو 35 بالمئة من سكان العالم كعنصر أساسي في نظامهم الغذائي، وفقًا لدراسات البنك الدولي.

هذا الرقم ليس ثابتًا، بل يرتفع إلى أعلى من ذلك بكثير في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يُعتبر القمح السلعة الأولى في سياسات الدعم الحكومي، مما يعكس حجم استهلاكه الواسع ومدى تأثير استقرار أسعاره على عملية صنع القرار في هذه الدول.

في المقابل، فإن ارتفاع الصادرات الروسية يضاعف من حجم نفوذها في سوق الحبوب العالمي. وقد برعت موسكو في استثمار هذا النفوذ وتوظيفه لترويض التضخم في أسعار الغذاء العالمية، وفقًا لتقارير اقتصادية متخصصة، منها تقرير لوكالة "بلومبرغ" العالمية.

وفي الواقع، أظهرت روسيا براعة في استغلال العقوبات الغربية وحملات التحريض وتزييف الحقائق التي يشنها الإعلام الغربي ضدها، وتحويلها من مأزق للصادرات الزراعية ولا سيما الحبوب والقمح، إلى فرصة ثمينة استثمرتها لصالح شركات وطنية روسية.

وهذا ما منح موسكو هامشًا واسعًا من الحرية والمرونة لتطبيق سياسات استراتيجية طويلة الأمد تعزز من متانة وعمق تحالفاتها، وتزيد من ثقة الدول الأخرى بها، حيث تركز على توسيع قاعدة المستوردين للقمح والحبوب، لتشمل مختلف المجتمعات والدول.

عقوبات على روسيا أم الدول المستوردة؟
أكدت الحكومة الروسية غير مرة في تصريحات رسمية أن العقوبات الغربية ليست سوى معرقل لتصدير الحبوب الروسية إلى السوق العالمية، وتؤثر بالدرجة الأولى على الدول المستوردة، وهي دول ليس لها أي علاقة بالعملية العسكرية في أوكرانيا. ومع ذلك، فإن موسكو تحاول تلبية احتياجاتها.

ولذلك، صرحت وزارة الزراعة الروسية أن المصدرين الروس سيركزون على توجيه إمدادات الحبوب والقمح إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يعتمدون على القمح بشكل كبير، وبالتالي هم الأكثر حاجة إليه.

ومن هذه الدول تركيا التي تُعد أكبر مستورد للقمح الروسي، وتأتي في المرتبة الرابعة ضمن قائمة أكبر 10 دول مستوردة للقمح عام 2022. تليها مصر، التي تحتل المرتبة الثانية ضمن القائمة المذكورة، بالإضافة إلى الجزائر (المرتبة السادسة في القائمة)، وباكستان، وبنغلادش، وتونس، ودول أخرى.

ولعبت رغبة روسيا في تلبية احتياجات الدول من القمح، خاصة دول القارة الأفريقية والدول الآسيوية، دورًا بارزًا في موافقتها على "مبادرة البحر الأسود" في تموز (يوليو) 2022 لتصدير القمح الأوكراني بوساطة أممية وتركية.

إلا أنها رفضت تجديد المبادرة في تموز (يوليو) 2023، بعدما أظهرت الأرقام والإحصائيات أن أكثر من 50 بالمئة من شحنات القمح الأوكراني كانت تتجه إلى الدول الغربية، في حين أن حصة الدول الفقيرة منها كانت أقل من الثلث، على عكس ما كانت تدعيه الدول الغربية.

في حين أنَّ سياسات الاتحاد الأوروبي لدعم القمح والزراعات الأوكرانية أدت إلى ما يشبه "ثورة الفلاحين"، خاصة في الدول المجاورة لأوكرانيا، ولم تمنع انخفاض صادرات الحبوب الأوكرانية من 70 مليون طن متوقعة إلى 41 مليون طن عام 2022، لتصل إلى 12 مليون طن فقط عام 2023، وسط فساد وممارسات مشبوهة داخل الاتحاد الأوروبي، حسب توصيف سياسيين واقتصاديين أوكرانيين.