قرار المحكمة الجنائية الدولية: قمة النفاق والإجحاف والانحياز وازدواجية المعايير
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
قرار المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي القاضي بإصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يؤاف غالانت لم يفاجئ أحداً في إسرائيل، إذ كان متوقعاً بعد أن قدّم المدعي العام كريم خان طلباً بهذا الخصوص. مع ذلك، أثار القرار ردود فعل غاضبة في إسرائيل داخل جميع أطياف المجتمع الإسرائيلي - الصهيوني، من ائتلاف ومعارضة، باعتباره قراراً خاطئاً وباطلاً ومجحفاً ويستند إلى معلومات كاذبة.
يجزم القرار بوجود نية لدى القيادة الإسرائيلية لاستهداف المدنيين العزل في القطاع، من دون تقديم أي أدلة على ذلك، وهو ما يتناقض مع ما أعلنته القيادة الإسرائيلية مراراً وتكراراً من أن لا نية لديها في إيذاء كل من لم تكن له علاقة بحركة حماس الإرهابية. وأكدت أنها اتخذت تدابير لتطبيق ذلك على أرض الواقع، حيث أوعزت إلى السكان بالتوجه إلى المناطق الآمنة تفادياً لإصابتهم في المناطق المأهولة التي جعلتها حماس ساحة للقتال بتسترها خلف المدنيين وجعلهم دروعاً بشرية لعناصرها.
حذر جيش الدفاع مسبقاً المدنيين الغزيين من نيته استهداف المناطق التي يتواجدون فيها، لإتاحة الفرصة أمامهم لإخلائها قبل القصف، وهو أسلوب عمل غير معهود لدى جيوش أخرى. صحيح أنَّ هناك عدداً كبيراً من الضحايا المدنيين في غزة، لكن المسؤولية عن ذلك تقع أولاً وأخيراً على حركة حماس، التي شنت الاعتداء البربري على إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر) ثم هرب عناصرها ليختبئوا بين المدنيين.
تتهم المحكمة الدولية القيادة الإسرائيلية أيضاً بانتهاج سياسة التجويع ضد سكان القطاع، وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة. بل إن العكس هو الصحيح. فقد أتاحت إسرائيل منذ إنشاء المناطق الآمنة في القطاع إدخال المساعدات الدولية ووافقت على إقامة الجسر البحري الأميركي، وأحياناً جاء ذلك على حساب العمليات العسكرية التي كان جيش الدفاع ينوي القيام بها. وللأسف، استولى عناصر حماس على كميات كبيرة من هذه المساعدات تحت تهديد السلاح ونهبوها.
تستمر عملية إدخال المساعدات إلى القطاع بل وتتوسع، وتم التأكد من أنه لا توجد مجاعة فيه، ما ينفي الادعاءات بوجود سياسة مقصودة لتجويع السكان.
استندت المحكمة في قرارها إلى تصريحات أدلى بها وزراء وشخصيات إسرائيلية من اليمين المتطرف بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر)، دعوا فيها إلى محو قطاع غزة. ومع ذلك، يجب أن نذكر أولاً أن هذه كانت تصريحات فردية لم تعبر بأي شكل من الأشكال عن سياسة الحكومة، بل إن رئيس الوزراء ووزراء آخرين استنكروها.
إقرأ أيضاً: تأثير عودة ترامب على الشرق الأوسط وإسرائيل
كما جاءت هذه التصريحات بعد الفظائع المرعبة التي وقعت في 7 تشرين الأول (أكتوبر) وفي وقت الغليان العاطفي، ولا يمكن اعتبارها سياسة مدروسة كما اعتبرتها المحكمة. ثانياً، إننا نسمع يوماً بعد يوم تصريحات حول النية لإبادة إسرائيل، ليس من شخصيات هامشية بل من رأس الهرم في النظام الإيراني ومن قادة أذرعه في المنطقة، ولم نسمع أي استنكار أو إدانة من قبل المحكمة الدولية لهذه التصريحات.
فيما يتعلق بازدواجية المعايير والنفاق، نذكر أنَّ المحكمة لم تحرك ساكناً حيال ما جرى في سوريا، حيث قتلت قوات نظام بشار الأسد وعناصر حزب الله والقوات الإيرانية نحو نصف مليون سوري وأجبرت الملايين على النزوح. كما التزمت المحكمة الدولية الصمت تجاه مذابح داعش في العراق وسوريا وفظائع الحوثيين في اليمن.
إقرأ أيضاً: الوعي الإعلامي: لماذا يجب أن نوليه بالغ الأهمية؟
تجاهلت المحكمة حقيقة أنَّ إسرائيل دولة قانون وديمقراطية، يحاكم فيها كل من يرتكب تجاوزات، كما حدث مع عدد من الجنود خلال المعركة الأخيرة. وفي محاولة مثيرة للسخرية للتظاهر بأنها محكمة محايدة، أصدرت المحكمة أيضاً مذكرة اعتقال بحق القيادي الحمساوي محمد الضيف، الذي أعلنت إسرائيل تصفيته وسيتم، كما يبدو، تسليم رفاته.
إنَّ قرار المحكمة الدولية البائس سيؤدي، إن أدى إلى شيء، إلى نتائج عكسية. فهو سيفضي إلى التحام الأطياف السياسية في إسرائيل من ائتلاف ومعارضة ضده من جهة، وقد ينفخ الرياح في شراع أعداء إسرائيل من جهة أخرى، ظناً منهم أنه ينال من عزيمة القيادة الإسرائيلية، ما سيؤدي بدوره إلى إطالة أمد الحرب بدلاً من إعادة الهدوء إلى المنطقة.