الإعلان عن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية وعودته إلى سدة الحكم يثير، بطبيعة الحال، تساؤلات وتكهنات حول التغيرات المحتملة في السياسة الخارجية الأميركية في فترة ولايته المقبلة، ولا سيما في الشرق الأوسط.

ليس سراً أنَّ معظم الإسرائيليين أعربوا عن تأييدهم ترامب خلال الحملة الانتخابية، وشعروا بالفرح بعد انتخابه؛ ذلك لأنهم يتذكرون سياساته في المنطقة خلال ولايته السابقة، والتي اتسمت بدعم شبه مطلق لإسرائيل، وبخطوات أثارت بهجتهم وحفيظة العرب، مثل الاعتراف بأورشليم القدس عاصمة لإسرائيل والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية في هضبة الجولان، وإلحاحه على بعض الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، مما أفضى إلى توقيع "اتفاقيات إبراهيم" والسعي إلى إنشاء تحالف إقليمي برعاية الولايات المتحدة.

وبخصوص إيران، فقد استجاب ترامب لطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وانسحب من الاتفاق النووي الموقع معها، وفرض عقوبات صارمة على النظام في طهران. كما أنه امتنع عن ممارسة الضغوط على إسرائيل فيما يخص المسألة الفلسطينية، وطرحه صفقة القرن مع اقتراب نهاية ولايته لاقى رفضاً من الجانب الفلسطيني واليمين الإسرائيلي على حد سواء.

والسؤال الذي يطرح نفسه حالياً: هل سيستمر ترامب في انتهاج نفس السياسة في الشرق الأوسط خلال فترة ولايته القادمة؟

باعتقادي، وبناء على ما لاحظته خلال الحملة الانتخابية، ستحدث بعض التغييرات في سياسة ترامب في الشرق الأوسط، بما في ذلك تجاه إسرائيل.

أولاً، أعتقد أن الرئيس المنتخب ترامب سيركز جل عمله خلال هذه الفترة على الشأن الداخلي الأميركي، أي على مشكلة الهجرة وإصلاح الاقتصاد، علماً أنَّ الحزب الجمهوري كان ولا يزال ذا ميول انعزالية ويمتنع عن الخوض في معارك خارجية قدر الإمكان، وهذا ما يميل إليه ترامب نفسه وحاشيته، حيث إنه عبر عن ذلك مراراً بالقول "أميركا أولاً".

ثانياً، سيرغب ترامب في ترك بصماته وتراثه في التاريخ خلال ولايته المقبلة التي ستكون الأخيرة له، وقد وجد ذلك تعبيراً في تصريحه بعد الإعلان عن فوزه بأنه "سينهي الحروب ولن يشنها". وعليه، فإنه سيسعى إلى إيجاد تسوية لإنهاء الحرب في أوكرانيا وإلى إعادة العلاقات بين واشنطن وموسكو إلى طبيعتها. وهذا سينطبق أيضاً على الشرق الأوسط، حيث إنه سيتخذ مواقف أكثر توازناً وقد يسعى إلى إيجاد حل، ولو كان جزئياً، للقضية الفلسطينية بشكل يكون مقبولاً أكثر لدى الدول العربية المعتدلة والتيار الفلسطيني المركزي، وذلك من أجل إنجاز تشكيل التحالف الإقليمي بقيادة واشنطن.

إقرأ أيضاً: مستقبل اتفاق السلام بين إسرائيل والأردن

أما بالنسبة إلى إيران، فقد تعهد ترامب بألا يسمح لطهران بامتلاك سلاح نووي، وانتهج سياسة الضغط الاقتصادي الأقصى عليها. وباعتقادي، سيستمر هذا التوجه، وستبقى المحاولات لزعزعة استقرار النظام في طهران من الداخل بواسطة هذه الضغوط، وليس عبر عمل عسكري مباشر قد يؤدي إلى مضاعفات عالمية غير مرغوب فيها. وعليه، فإنه سيثني إسرائيل أيضاً عن شن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، إلا إذا بلغ المشروع الإيراني حداً يشكل خطراً وجودياً على إسرائيل. وبالتوازي، ستسعى إدارة ترامب إلى تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة من خلال تشكيل التحالف الإقليمي المذكور وكبح جماح وكلاء طهران في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن.

إقرأ أيضاً: تفنيد المزاعم حول كون إسرائيل مشروعاً استعمارياً غربياً

في الخلاصة، قد تغير عودة ترامب إلى الرئاسة المشهد السياسي في الشرق الأوسط، حيث ستسعى الإدارة الأميركية الجديدة إلى فرض الهدوء في المنطقة بما يخدم مصالحها، وستكثف الجهود الرامية إلى تشكيل تحالف إقليمي أوسع بقيادتها يشمل السعودية أيضاً، وذلك من أجل تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، وهذا التوجه سيستلزم انتهاج سياسة أكثر فعالية تجاه النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.