يزعم العديد من المفكرين العرب، وخصوصاً الفلسطينيين، أنَّ دولة إسرائيل هي مشروع استعماري غربي، فهل هناك ما يبرر هذه المزاعم؟
تعريف الاستعمار، الذي يوافق عليه الخبراء في العلوم السياسية، هو استيلاء دولة عظمى على دول أو مناطق أضعف منها من أجل استغلال مواردها الطبيعية وطاقاتها البشرية لكسب الأرباح ولدعم اقتصادها، مع إبقاء المنطقة المستولى عليها في حالة من التخلف. فهل هذا التعريف صحيح بالنسبة إلى إسرائيل؟
أولاً، الدولة العظمى التي كانت تسيطر على هذه البقعة من الأرض كانت بريطانيا بموجب صك الانتداب بعد الحرب العالمية الأولى، لكنها لم تستغل موارد هذه المنطقة، بل العكس هو الصحيح، حيث بذلت الكثير من الأموال والموارد من أجل الحفاظ على الأمن والنظام فيها، وتكبدت خسائر مادية وبشرية من أجل هذا الغرض؛ فهذا لا يلائم النموذج الاستعماري الكلاسيكي.
ثانياً، بريطانيا لم تشجع هجرة مواطنيها إلى هذه الأرض كما جرى في مشاريع استعمارية أخرى لها مثل جنوب أفريقيا وأميركا الشمالية وأستراليا وغيرها، بل بالعكس، حاولت تحجيم هجرة اليهود إليها ووضعت عراقيل أمام هذه الهجرة.
ثالثاً، من المنظور التاريخي، تأسَّست إسرائيل كدولة في عام 1948 بعد قرار الأمم المتحدة بتقسيم (فلسطين أرض إسرائيل) إلى دولتين يهودية وعربية، ولكنَّ قرار التقسيم لم ينل الموافقة من قبل الفلسطينيين والعرب.
ومعنى ذلك أنَّ دولة إسرائيل أقيمت بموجب قرار دولي، وليس كمستعمرة لدولة عظمى.
وبخلاف المشاريع الاستعمارية، لم يكن الشعب اليهودي شعباً غريباً في هذه الأرض، بل كانت له، ولا تزال، علاقات تاريخية بها، وكانت له في السابق مملكة مستقلة سيادية فيها، ولكن تقلبات التاريخ أبعدته عنها.
هذا واستناداً إلى حق تقرير المصير المعترف به دولياً، قرَّر الشعب اليهودي الذي كان مشتتاً ومعرضاً للاضطهاد العودة إلى موطنه القديم، وإقامة دولته المستقلة فيه، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود أبناء شعب آخر فيها، حيث رأى مؤسِّسو الحركة الصهيونية أن الشعبين يمكنهما العيش فيها معاً.
رابعاً، وبخلاف طابع المشاريع الاستعماريَّة، لم يُبق اليهود الأرض بحالة التخلف ليستغلوا مواردها فقط، بل إنَّهم قاموا بتطويرها بشكل لم يسبق له مثيل لمنفعة جميع السكان، وجعلوا منها دولة من الأكثر تقدماً في العالم من الناحية الاقتصادية والتكنولوجية، وأنشأوا دولة ديموقراطية تنعم فيها الأقليات بكامل الحقوق، بالرغم من التحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها. وقد أجبرت الحروب التي فرضت على إسرائيل أن تسيطر على مناطق يعيش فيها الفلسطينيون، وهي ما زالت تسعى لإيجاد حلول لهذه القضية بالرغم من الرفض الفلسطيني لكافة الاقتراحات بهذا الشأن.
وخلاصة القول، فإنَّه من الواضح أن المزاعم حول كون إسرائيل تمثل مشروعاً استعمارياً لا تمت إلى الواقع بصلة، فهي تشكل موطناً قومياً لليهود، وتحقيقًا لحلمهم بالعيش في وطنهم، مثلهم مثل باقي شعوب الأرض.
التعليقات