ما بين تشرين الأول (أكتوبر) 1827 وتشرين الأول (أكتوبر) 2023 حدثان مهمان، غير الأول وجه التاريخ والجغرافيا، بينما يستعد الثاني لتغيير وجه التاريخ من جديد، ولكن بطريقة مختلفة نسبياً. ففي الأول كان العالم يشهد انزياحاً في فهمه لعصر الإمبراطوريات الكبرى، عندما ظهرت المسألة الشرقية، والتي أنتجت الدولة القومية وظهرت الحروب، ثم الاستعمار الحديث، بينما في الثاني ظهرت المسألة الفلسطينية، والتي يمكن أن نرى من خلالها مشروع الأخوان المسلمين نحو إدخال العالم العربي في متاهة دموية غاية في القسوة.

السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 تبرز في الأفق صورة غير معتادة، ونموذج لمعركة ستبقى لسنوات تفرض مزيداً من الأسئلة عن الأسباب والدوافع والأداء، وصولاً إلى مأساة غزة، التي جاءت وفق صناعة أخوانية مدبرة ومشهد ميليشياوي يجتاح العديد من العواصم العربية، ودور إيراني واضح من خلال السلاح والدعم، وفي الظلال ثمة عملية هدفت إلى إدخال كامل المنطقة العربية في متاهة غير مسبوقة، فمن الطبيعي أن تجلب الحرب الحرب، ومن المتوقع أيضاً أن حرباً على شاكلة السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، من المتوقع أن تجلب ردوداً إسرائيلية فاقت حجم القصف والحرب الإسرائيلية خلال خمس معارك سابقة، فرضتها حماس على قطاع غزة من خلال كسر مشروع التسوية السياسية، والدخول في متاهة أطلقت عليها "مشروع المقاومة" أغرقت من خلالها المدنيين في حروب لا شأن لهم بها.

ثم تأتي الفكرة الأخوانية بعد ذلك في مسألة استغلال المشهد في غزة، بهدف إقناع الشارع العربي بعجز حكوماته، ودفعه للخروج على هذه الحكومات، وبهذه المعادلة تنتشر الفوضى ومع انتشارها يصبح سقوط نظام الدولة العربية مسألة سهلة كما يتوهمون من خلال استغلالهم للخطاب الديني الذي يلامس عاطفة الناس وصولاً للسير إلى تفكيك الدولة العربية (الوطنية) لصالح دولة الميليشيا، أو اللادولة، منتظرين بعد هذا الهدم الكبير أن يقوموا بإعادة بناء خلافتهم الوهمية الموجودة في عقولهم فقط.

لكي ندرك هذا المسار من خلال استغلال عباءة الدين، للنظر الى الخطاب الشعبوي للوصول بالشارع العربي إلى القاع الذي يريدونه. فما بين حديث القيادي فتحي حماد أن حماس هي حلقة من حلقات الوحي، إلى حديث محمود الزهار الذي وجد في فلسطين مجرد فرشاة أسنان، إلى حديث إسماعيل هنية المعلن والذي قال فيه إنَّه يريد مزيداً من الدماء لإيقاظ الأمة كما يدعي، وصولاً إلى رسالة خالد مشعل، والتي طالب فيها الشعوب العربية بالخروج عن إرادة حكامها، كل ذلك يكشف وجه مشروع حماس - الأخوان، ودورهم في الهدم، والذي كان يترافق دوماً مع تمجيد إيران وحزب الله والحوثي وغيرهم من خلال وصفهم بالداعمين الأساسيين لفلسطين، وهو خطاب يترافق مع التشكيك بالدولة العربية، ويعمل على تحميلها المسؤولية عما يحدث من حروب، واتهام الدول العربية بالعجز عما جرى ويجري في غزة دون الإشارة إلى المسببات التي أدت الى هذه المأساة الإنسانية.

إذاً، هي معادلة حماس والأخوان المسلمين التي تقوم على قاعدة الحرب والدم تحت غطاء تأويلات دينية مزعومة، تدفع الفلسطينيين إلى الغرق في ويلات الحرب، لكي يكون هذا الدم وسيلة لوقوف الشارع العربي ضد حكوماته، وبدلاً من أن تكون الصورة أن حماس جلبت الويلات على الشعب الفلسطيني، تتحول المسألة أن مشروع حماس المسمى بالمقاومة كان أصلاً لحماية الفلسطينيين!

هنا تبرز وسائل إعلام عربية، تعيد إنتاج صورة مغايرة للميليشيات لتصبح هذه الميليشيات في الأذهان، وعلى رأسها حماس، أنها الراعية للكرامة العربية، فنحن قبل هيمنة حماس كنا أمام واقع قائم نتج عنه استرداد الفلسطينيين للضفة وغزة دون قطرة دم واحدة، ثم تلا ذلك دخول حركة حماس الى المشهد الفلسطيني من خلال الانتفاضة الثانية ولتعمل حماس الى تحويل صورة الفلسطيني أمام العالم إلى مجموعة انتحاريين، وصولاً إلى انقلابها على السلطة في غزة، وما جلبته بعد ذلك من حروب إلى غزة أدت إلى عشرات الاف الضحايا، وصولاً إلى محاولة نقل معركتها إلى الضفة والتي بدأت فيها منذ انقلابها في غزة، حيث شاهدنا جهداً كبيراً قام به اعلاميون وكتاب محسوبون على حماس والأخوان، كانوا يريدون إشعال فتيل الضفة من جديد، في محاولة منهم لتحويل الضفة إلى غزة ثانية، تارة عبر ما سمي بثورة السكاكين، وتارة عبر ما يسمى عرين الأسود أو الانتفاضة الثالثة، ما أدى إلى كوارث وويلات على الفلسطينيين في الضفة خلال عقدين من الزمن.

يبقى أن نقول إنَّ العرب اليوم أمام فرصة تاريخية لكشف منهج حماس، وتعريتها، ومحاسبة قادتها على جرائم السنوات الماضية، ومن المهم أن لا يترك العرب هذا الفكر المدمر أن يتسلل إلى غرف نوم الأطفال العرب، كما تسلل إلى كثير من أطفال غزة، والذين نجحت حماس في تحويلهم إلى أداة قمع لشعبهم أولاً، فالبطولات الوهميَّة التي يتم الترويج لها، إنما هي سموم يتم تصديرها على شاكلة نظريات المؤامرة، والتي لا يزال قطاع كبير من الشعوب العربية ضحايا لها.

القضية الفلسطينية، كانت ذلك الجهد العربي لأجل الشعب الفلسطيني، وأمَّا المسألة الفلسطينية فهي مشروع الأخوان المسلمين إنهاء وتفكيك الدولة العربية وإحلال دولة الميليشيا.