لحظات مرعبة يعيشها نحو مليون ونصف مليون فلسطيني ما بين نازح ومقيم في رفح على حدود مصر.

تهديدات إسرائيل بالاجتياح تبدو جدية خاصة وان قصف جوي وأحزمة نارية تشتعل بين الفينة والأخرى في مناطق مختلفة على تخوم المدينة.

مصر حصنت حدودها وعززت من قواتها على الحدود واستقدمت مدرعات ودبابات وأعداد كبيرة من الجنود بالإضافة إلى منظومات صواريخ مضادة للطائرات وصواريخ ارض ارض وكأنها تتجند لمواجهة مع الجيش الاسرائيلي الذي بدأ يجهز قواته ويستعد للاجتياح او كما يسمونها المناورة البرية في آخر 64 كم مربع من قطاع غزة.

الطريق البري الوحيد المتاح للنازحين ان ينزحوا مرة أخرى إلى وسط القطاع طريق الشاطئ بين رفح وغزة المدينة ومخيمات الوسط التي كان جيش رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، عاث فيها دماراً وخراباً. أما الامكانية الاخرى غير العملية هي الهروب بحرا او التوسل لمصر لفتح الحدود واتاحة الفرصة لمئات الألف بالنزوح اليها.

مصر مصرة على اغلاق هذه الامكانية وتضغط باتجاه صفقة تبادل بين حماس وإسرائيل وتهدد قادة حماس بقبول الشروط وحقن الدماء هذا من جهة ومن ناحية اخرى تصدر مصر السيسي تصريحات نارية تهدد بتعليق معاهدة السلام فيما لو دخل الجيش الاسرائيلي رفح واحتل محور صلاح الدين (فيلاديلفيا).

ازمة حقيقة امام مصر التي تعاني ازمات سياسية واقتصادية والفلسطينيين وايضا امام نتانياهو، المأزوم قبل السابع من اكتوبر، وهو يصر على المناورة في رفح والتي تعني تدمير ما تبقى من الـ 365 كم مربع التي هي مساحة قطاع غزة صاحب اكبر كثافة سكانية في العالم.

نتانياهو يشبه حيوان مفترس جريح يحاول ان يبقى بكل طريقة على قيد الحياة، فهو يعرف ان اجتياح رفح هو انتحار لجيشه الذي قُهر في السابع من اكتوبر لكن يتصرف مثل من يقول "ومن بعدي الطوفان" ويعتبر نفسه المنقذ لشعب اسرائيل وانه اصبح مثل شمشوم الجبار المذكور في توراته وعليه ان يهدمها عليه وعلى اعداءه فهو اصبح يعتبر مهمته في الحياة مخلصا ومنقذا لليهود أينما كانوا، وهو مستعد للقتال حتى آخر جندي اسرائيلي مع الحفاظ على ابعاد عائلته عن اسرائيل والتضحية بالآخرين.

الجيش الإسرائيلي اعد خطة للمناورة تكلف اقل قدر ممكن من الخسائر في صفوفه ولا تدخل بشكل واسع إلى المدينة وسط استهدافات دقيقة ومحددة من الجو او دخول راجل ومؤلل لنقاط معينة ومحددة ولهذا الغرض فتح مسارا للنازحين للعودة إلى وسط القطاع وتحديدا مناطق الشاطئ.

من قراءة اعداد القوات الاسرائيلية والاليات والدبابات وغيرها لا يبدو ان الامر سيكون مشابها لما حصل في شمال ووسط القطاع وخان يونس والمدينة انما هي خطوات ضاغطة من اجل التوصل لصفقة تبادل كان طلبها رئيس الأركان من القيادة السياسية وانتقد تلكؤ نتانياهو في ذلك وتردده في قبول اطار باريس الذي هو بنفسه رسم مع الشركاء خطوطه العريضة.

الجيش الاسرائيلي لا يستطيع وقف الحرب لانه قرار يتخذ على المستوى السياسي، لكنه يستطيع وضع احتمالات يرفضها السياسيون ولا تورط الجيش في مذابح متبادلة مع النازحين من جهة ومسلحي الانفاق من ناحية اخرى، فتوقعات رئاسة الأركان عشرات الجنود القتلى كل يوم مقابل مئات الفلسطينيين غير المتورطين في هذه الحرب.

يبقى السؤال: متى تستفيق الأطراف المتحاربة على رد الاعتبار او اذلال الاخر وتنتبه ان هناك اكثر من مليوني غزاوي ومئات الاف الاسرائيليين يريدون بكل بساطة العودة إلى بيوتهم وأشغالهم وحياتهم الروتينية بعيدا عن صراع الأدمغة المتعفنة والمريضة بين يحيى السنوار ونتانياهو.