كثير الاستماع لكافة الآراء ويحمد "الصمت في زمان الثرثرة" ومنصف في رواية التاريخ وشرس في التصدي لعبث الطارئين على الثقافة والأمور الفقهية المشوهة...كل هذه الصفات الثقافية والخصال الفكرية وغيرها من سمات الاستنارة اجتمعت في شخصية الشاعر الدكتور خليفة الوقيان.

خاض خليفة الوقيان معارك شتى مع "شيوخ الدين والدعاة" الجدد ووثق كل ذلك على نفقته في ديوانه "تدروشوا ...تعمموا" دون اجتزاء للرأي الأخر والمنحرف منه ثقافياً وعلمياً حتى الذي قدم الغلو على الاعتدال، فالغاية تصدير الاستنارة ودعم الهوية الثقافية في الكويت.

الحديث عن خليفة الوقيان ممتع جداً، وبلا نهاية واحدة أو حدود معينة، فهو شخصية نادرة في هذا الزمان المشوه فكرياً وثقافياً وسياسياً، وهو الأخ الحكيم والصديق النصوح والمعلم والمرجع في الحياة بالنسبة لي شخصيا وازداد شرفاً كلما كتبت ونشرت عنه.

اختار المجلس الوطني للفنون والثقافة والآداب الشاعر الدكتور خليفة الوقيان شخصية مهرجان القرين الثقافي للعام 2024، وهو تكريم وتقدير مستحق لشخصية نذرت فكرها ووقتها في إشاعة الانفتاح والدفاع عن ثقافة الاستنارة وتقبل الرأي الأخر ومناهضة التزمت الاجتماعي والتشدد الديني.

سعى بتجرد علمي وعملي، الشاعر الدكتور خليفة الوقيان إلى تسليط الضوء مراراً على إخفاقات الدولة في المحافظة على الهوية الثقافية والاستسلام للتيارات الدينية المتشددة والمتحالفين معهم والساكتين عنهم خوفاً من المواجهة واستسلاماً للمجاملة الاجتماعية وتنازل الدولة عن الحياة المدنية!

د.خليفة الوقيان له مؤلفات عديدة ومن أبرزها كتاب "الثقافة في الكويت" الذي حاز على جائزة معرض الكتاب في العام 2007 عن احسن كتاب مؤلف عن الكويت، وهو مرجع علمي وتاريخي حيث وثق جذور سيرة ومسيرة رواد الثقافة والفن والصحافة والآدب والسياسة.

فرض الدكتور خليفة الوقيان سابقة علمية وصحافية في نشر بحثين له في صحيفتين محليتين مع الهوامش العلمية احدهما بعنوان "رد على تعقبات د.الحربي في كتابه" وهو "باحث" مجهول الهوية تحمس لتزوير تاريخ الكويت الثقافي وتشويهه ولم يبادر بالاعتذار أو الرد والتوضيح!

الخطأ السياسي الفاحش يكمن في عدم استثمار رئيس الوزراء الجديد الشيخ محمد صباح السالم حضور افتتاح مهرجان القرين الثقافي وعدم الحرص على تكريم الشاعر الدكتور خليفة الوقيان شخصياً، فقد فوت رئيس الحكومة فرصة تاريخية وسياسية وثقافية على نفسه وحكومته!

والخطأ السياسي الفاحش الأخر في جعل مناسبة افتتاح مهرجان القرين الثقافي مغلقة وحفل تكريم الدكتور خليفة الوقيان أيضاً، وعدم الطلب من شخصية العام 2024 الثقافية توجيه رسالته إلى الدولة عن الثقافة في الكويت، ربما خوفاً من تجار السياسية والدين!

لا زال اهتمام الكويت في الثقافة ليس في سلم الأولويات الحكومية، وسيبقى الحال على ما هو عليه حتى بعد تكريم أحد رموز القوى الناعمة بمستوى الدكتور خليفة الوقيان، فالجهل الثقافي عنوان حكومة ممتدة!

في الثمانينات سعى الدكتور خليفة الوقيان مع المرحوم احمد مشاري العدواني، أول أمين عام للمجلس، في اقناع المرحوم الوزير عبدالعزيز حسين في تبني مشروع قانون لحماية المجلس أو بالأحرى المنارة الثقافية من سباق سياسي محموم قد ينال يوما من هذا الصرح الثقافي.

حرص خليفة الوقيان وأحمد العدواني رحمه الله وراء الاستقلالية والحماية للمجلس الوطني والدعم السياسي له بحيث يكون للمجلس رئيسا يتبع رئيس الحكومة مباشرة وليس جهة وزارية على أن يكون الرئيس من أحد رواد الثقافة أو رموزه بدرجة وزير أو وكيل وزارة بالدرجة الممتازة تقديرا لمكانة المجلس.

كانت الغاية النبيلة في حماية المجلس الوطني من الهيمنة السياسية، إلا أن المقترح لم يلق الدعم من عبدالعزيز حسين رحمه الله، وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الاسبق خصوصا بعد اعتذاره عن الدخول في التشكيل الوزاري فقد كان يخشى رائد الثقافة والتنوير في الكويت عبدالعزيز حسين ان يتم تفسير المشروع بأنه تمت صياغته لتنفعيه شخصيا بينما الغرض الحقيقي كان في توفير الدعم للمجلس وليس تخليد أي شخص بذاته.

الغرض الاخر والهدف الاساسي من المشروع الحد من تقاذف امواج السياسة للمجلس الوطني وانتزاعه تحديدا من عباءة وزارة الاعلام طالما ليس هناك ما يبشر بإنشاء وزارة للثقافة وإلغاء وزارة الاعلام!

إذا كانت الحكومة جادة في دعم الثقافة ومنابر ونوافذ القوى الناعمة، فمن الواجب تحقيق حلم الدكتور خليفة الوقيان في فصل السياسية عن الثقافة وجعلها من الأولويات حتى تعود الروح في القوى الناعمة ورموزها.