جسد الدكتور خليفة الوقيان قناعاته الفكرية والسياسية الراسخة في وجدانه منذ شبابه حتى اليوم، اثناء تكريم مستحق ضمن احتفالية يوم "الأديب الكويتي" بكلية الآداب في جامعة الكويت يوم الأربعاء 15 فبراير 2023 وسط حشد من الحضور ومحبي مسيرة الوقيان.
تألق، كعادته، الدكتور خليفة الوقيان في المناسبات الثقافية بكلمة له لم تخل من الصراحة والرسالة الصادقة لجيل اليوم والاجيال القادمة خصوصا في أهمية وضرورة التصدي للغلو الذي يتفشى بين عقول عليلة ومناهج دراسية معتلة بالتردد وعدم التحديث والتطوير سعيا إلى شيوع التسامح الفكري.
وقد عبر الدكتور خليفة الوقيان في كلمته باحتفالية جامعة الكويت عن أفكاره ورؤيته من خلال تصدير واقع الحال حين كان شاباً نشطاً في العمل النقابي منتقدا الغلو والإرهاب الفكري الذي يجتاح العمل النقابي اليوم!
وجه الدكتور الوقيان كلمته إلى الحضور بالقول:
بناتي، أبنائي، زميلاتي زملائي، سيداتي سادتي: لكمُ الحبَّ والوداد المصفّى وبكم تزهر الأماني حَرْفا يا حماة الفصحى إذا أوسعوها في اعتلالِ الزمان خَسْفا وعَسْفا.
(ان الثمانين وبلغتها (أنا)/ قد احوجت سمعي إلى ترجمان)
واحوجت قلبي لفيض الحنان، وهئنذا أنعمُ اليوم بفيض حنانكم ومحبتكم واشعر اني اعيش في حضن دافئ، وان سمعي ارتد الي فلم اعد بحاجة الى ترجمان.
وذكر الوقيان: "لكم أيها الاحبة - بعد التحية - شكر لا تتسع له العبارة، ويمتد هذا الشكر ليصل الى زميلات لكم وزملاء ألحوا على تكريمي قبل سنوات خلت ضمن هذا البرنامج يوم الأديب الكويتي، ومنهم من اعدوا بحوثا للمناسبة غير أني اعتذرت عن عدم قبول التكريم لأسباب لا تخفى عليكم"
وقال الوقيان "حين يأتي التكريم من جامعة الكويت - ممثلة بقسم اللغة العربية وآدابها فلابد أن يكون له مذاق خاص، ونكهة محببة، ففي هذه الجامعة عشت وزميلاتي وزملائي أجمل الأيام، وأعذب الذكريات، وفيها اكتسبت ثروة نفيسة من المعارف والخبرات والصداقات، كما عشت حقبة العمل النقابي الطلابي المُبَرَّء من الأمراض الاجتماعية والغلو الفكري.
وأضاف: كانت لغة الحوار بعيدة عن التوتر والتجريح والتكفير والفجور في الخصومة، إذ كانت ثمة إيمان بأن الأرض تتسع لكل الاجتهادات، (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين)، وسوف يبقون مختلفين والتطور لا يأتي لأي أمة حين يسودها فكر سكوني وإقصائي، يصادر الاجتهادات ويغيب النقد، والنقد الذاتي»
وقال المحتفى به د.الوقيان : "أيها الأحبة، أسعدني الحظ وأبناء جيلي حين تتلمذنا على أعلام العصر في هذه الجامعة، وأحسب أنها حالة استثنائية أن يقدر لطلبة قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية، على سبيل المثال، التتلمذ على يد الأساتذة الأجلاء، شوقي ضيف، نازك الملائكة، شاكر مصطفى، عبدالسلام هارون، محمد المدني، محمود مكي، أحمد الغندور، إبراهيم عبدالرحمن، موسى هنداوي، يوسف خليف، جمال قاسم، محمد عبدالهادي أبوريدة، عبدالعزيز مطر... وغيرهم، فضلا عن الاختلاط بالأعلام المميزين في الأقسام والكليات الأخرى".
واستطرد الوقيان: "أما المناهج فلا يتسع المجال للحديث عن ثرائها، لاسيما في مجال الدراسات الإسلامية، إذ كان اسم القسم «قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية». وحتى لا نبخس الناس أشياءهم فلابد أن أشير إلى مصر العزيزة فضلا كبيرا في السماح بإعارة كوكبة من علمائها الذين أسهموا في تأسيس جامعة الكويت، ومتابعة مسيرتها في مرحلة التأسيس بقيادة مدير الجامعة عبدالفتاح إسماعيل".
وأضاف: "معذرة إن كنت خرجت عن حدود منهج هذا اللقاء، وأسلمت قيادي للتداعيات والالتفات إلى زمن جميل مضى. وبعدُ فشكراً لكم أيها الأحبة، شكرا لكل من اقترح تكريمي في مرحلة سابقة، وشكرا لمن أعاد اقتراح التكريم في يوم الأديب الكويتي، وشكرا لكل من أعد بحثاً، أو شهادة أو كلمة أو تحمل مشقة حضور هذه المناسبة الثقافية الاجتماعية الوجدانية"
ان رسالة الدكتور خليفة الوقيان لا تحتمل اللبس ولا التأويل ولا التهاون، فهو يتحدث عن واقع مؤسف، بل مؤلم في المجتمع الكويتي حيث تتلاطم أمواج الغلو والإرهاب الفكري بين الطلبة وفي المحافل النقابية والطلابية خاصة امام مسمع ومرئي الحكومة!
لعل التكريم الأمثل للدكتور خليفة الوقيان يستدعي أن يصدر قرار رسمي باعتماد أخر بحث للأديب الوقيان بعنوان "الجذور التاريخية للحركة الإصلاحية والتنويرية في الكويت"، كمنهج دراسي أساسي.
فقد سلط الدكتور الوقيان في بحثه الذي قدمه بمناسبة ندوة "عبدالعزيز حسين. رجل دولة وفكر" في مارس 2022 سلط الضوء العلمي حول الصراع ضد الحركة الوهابية والتصدي لها في الكويت في وقت مبكر جداً، مستنداً على مراجع علمية ومخطوطات رصينة شتى.
ولعل القراءة المتأنية من قبل وزرة التربية وجامعة الكويت لبحث الدكتور الوقيان يبرر الأهمية التي غابت عن بصر متخذي القرار التربوي والجامعي، لما فيه صالح نشر ثقافة التنوير والتسامح ونبذ الإرهاب الفكري.
- آخر تحديث :
التعليقات