يكاد تنظيم الإخوان المسلمين في مصر، وهي "بلد التأسيس"، أن يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد انكشاف حقيقة جرائمه ضد السلطة والوطن المصري وارتباطاته المشبوهة بالقوى الخارجية المتمثلة بالتنظيم الدولي للإخوان في العالم. وبدورها، تكاد الحركة السلفية في الخليج أن تغيب تماماً عن المشهد العام وتنتهي سلطتها المطلقة المتسترة بغطاء الدين تحت شعار "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
الغريب في الأمر أن الفكرين الإخواني والسلفي اللذين يكادان يودعان الحياة السياسية في عموم المنطقة، أصبح لهما حضور لافت في إقليم كردستان العراق وينشطان بشكل غير مسبوق، على الرغم من أنَّ السلطة الكردية التي أنشئت في هذا الإقليم منذ عام 1992 هي سلطة علمانية بامتياز. وليس هذا فحسب، بل إن الحركة الكردية منذ نشأتها في أواخر القرن التاسع عشر لم تكن أبداً حركة ذات طابع إسلامي أو توجهات دينية، بل كانت طوال مسيرتها الثورية حركة قومية خالصة تدعو إلى تحقيق الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في ظل الديمقراطية والسلطة المدنية.
صحيح أنَّ الحركة الإسلامية انخرطت في الثورة الكردية المندلعة بجبال كردستان منذ عام 1987، وسبقها نشوء تيار إخواني في بداية سبعينيات القرن العشرين، لكن هذه الحركة لم يكن لها أي دور في تقرير المصير السياسي للإقليم ولشعب كردستان مطلقاً. بل كانت معظم الأحزاب والحركات الإسلامية التي نشأت في كردستان، سواء قبل أو بعد تأسيس الكيان الكردي عام 1991، ظلت بمعظمها على الهامش برغم مشاركاتها المتعددة في الجولات الانتخابية التي شهدها الإقليم منذ عام 1992، وظلت على حالها من الضعف إلى يومنا هذا، مقابل صعود وصمود الأحزاب العلمانية التي قادت البرلمان وحكومة الإقليم.
إقرأ أيضاً: طريق السلام الحقيقي في تركيا
الملاحظ أنه في السنوات الأخيرة شهدت الحركة السلفية نمواً مضطرداً في الساحة الكردستانية وأخذت تنافس حركة الإخوان، فزاد عدد الدعاة ومنابرهم في المساجد، وحصل الكثيرون منهم على دعم الحكومة المحلية إلى جانب ما يردهم من دعم مالي وسياسي من الخارج. وأصبحت حكومة الإقليم تتسامح أو تغض الطرف عن نشاط هؤلاء الدعاة الذين يعارضون بشكل واضح توجهات السلطة العلمانية في الإقليم، خصوصاً بعد أن أصبح لهؤلاء الدعاة قنوات فضائية وتلفزيونات محلية وعشرات الإذاعات التي تبث الفكر السلفي والإخواني عبر الإعلام.
حدثان مهمان وقعا في الأيام الأخيرة ينذران باضطراب الوضع السياسي والاجتماعي المستقر في كردستان. الأول هو صدور فتوى "الجهاد" ضد إسرائيل من قبل هيئة علماء مسلمي كردستان واعتباره واجباً دينياً، وهي الفتوى التي عارضها بشدة زعيم الجماعة السلفية في كردستان، والذي أصدر بياناً من 17 نقطة أشار في إحداها إلى أنه ما دام الجهاد فرضاً على مسلمي كردستان، فمن الأولى أن يتطوع أعضاء الهيئة للقتال ويذهبوا بأنفسهم إلى فلسطين لمنازلة إسرائيل.
إقرأ أيضاً: ماذا تريد تركيا من العراق؟
والحدث الثاني هو تقديم إخواني كردي لدعوى قضائية لدى النائب العام ضد المفكر المصري المتنوّر الدكتور يوسف زيدان بتهمة ازدراء الدين الإسلامي، على خلفية وصف القائد الكردي الإسلامي صلاح الدين الأيوبي بالاحتقار. وهذا ما منع المفكر الكبير من المشاركة كعادته في معرض الكتاب الدولي المزمع إقامته في أربيل، عاصمة إقليم كردستان، خلال اليومين المقبلين.
الخلاصة أن الفكرين الإخواني والسلفي أصبحا أكثر ملكية من الملك. ففي الوقت الذي يضمحل وجودهما في بلاد المنشأ، يحاولان بكل قوة الظهور على الواجهة في إقليم لا ناقة له ولا جمل في الصراع العربي الإسرائيلي، ولا في صراع الإخوان ضد السلطة في مصر.
التعليقات