من الغباء، بل من أقصى درجات الغباء السياسي، أن تطلب تركيا من العراق محاربة مقاتلي حزب العمال الكردستاني. فتارة يأتي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنفسه إلى بغداد، وتارة يوفد وزير خارجيته ويلحقه برئيس مخابراته بغية إقناع القيادة العراقية بالتورط في حرب بالوكالة ضد الكردستاني.

عجيب أمر هذه الدولة وقادتها، دولة عضو في حلف الناتو ولديها ترسانة هائلة من الأسلحة، وجيشها يُعدّ أكبر جيوش الشرق الأوسط، تحارب تنظيماً منذ أكثر من أربعين سنة دون أن تنجح بإزاحته ولو قيد أنملة من معقله في جبال قنديل. دمرت هذه الدولة اقتصادها، وزرعت الكراهية بين الشعبين التركي والكردي، ومارست قيادتها شتى أساليب القمع والطغيان، وانتهجت كل أنواع السياسات الشوفينية، وزجت بعشرات الألوف من الكرد في السجون، وطردت عشرات القيادات الكردية والبرلمانية طوال العقود الأربعة الماضية. كل هذا ولم تتمكن من تحقيق ولو انتصار واحد في جميع حملاتها العسكرية ضد هذا الحزب؟!

إقرأ أيضاً: جدران صيدنايا

لم يبق أمام القيادة التركية غير اللجوء إلى الحكومة العراقية، عسى ولعلّ تتمكن من إقناعها بخوض حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل، ومن أجل ماذا؟ لا شيء!

تصورت قيادة تركيا أنها قادرة على جرّ القيادة العراقية إلى هذا المستنقع القذر، مثلما فعلت مع طرف كردي خانع وذليل، ناسية أنَّ القيادة العراقية استخلصت عبراً ودروساً مريرة من الحروب التي خاضها النظام السابق أيضاً من أجل لا شيء! وتناست أنَّ الشعب العراقي ملّ وشبع من الحروب، فهل يقبل أن يخوض هذه المرة حرباً بالوكالة من أجل دولة أخرى؟

الغريب أن أردوغان ورهطه، الذين يحاولون خداع الشعب الكردي من خلال تسويق شعار السلام والتصالح في الداخل، يعملون اليوم بأقصى جهد لإقناع العراق بالاصطفاف إلى جانبهم ودفعه للحرب بالوكالة، وفي الطرف الآخر يحاول إقناع القيادة الجديدة في سوريا بشن حرب مماثلة ضد مقاتلي (قسد)، وهم ركن من أركان الاستقرار في سوريا.

إقرأ أيضاً: إسرائيل والمقاومة

هذه الألاعيب السياسية باتت مكشوفة تماماً ولن تنطلي على القيادة العراقية، فليس من مصلحة العراق أبداً أن يدخل في حرب ضد العمال الكردستاني، ولا من مصلحته أيضاً أن يثير عداء الشعب الكردي. وعلى أردوغان ورهطه أن يحلّ مشكلته في الداخل، وليس على أرض العراق وبدماء العراقيين.

لقد مللنا الموت، دعونا نعيش.. والسلام.