راجعت تاريخ المنطقة. بحثت أحداثه ودققت تفاصيله. قرأت وتمعنت وفحصت كل جوانبه، فلم أجد ولم أشاهد ولم أسمع أن كان في دول الخليج عبر تاريخها الطويل القديم والحديث ما يشابه سجن صيدنايا البعثي السوري أو سجن قصر النهاية البعثي العراقي! سألت نفسي ترى هل في الإمارات والسعودية وقطر وعمان والكويت سجون أصلاً؟! وإذا كانت هناك سجون، فهل هي بهذا القدر من الوحشية والهمجية، بحيث يطحنون فيها معارضيهم بمكابس الحديد أو يذيبون فيها معارضيهم بالتيزاب؟! هل يقتلعون عيونهم وأصابعهم أو يدلون الحديد بخصيانهم؟! هل يقطعون أثداء زوجات وأخوات المعارضين أو يغتصبهم نائب عريف السجن؟!

لماذا لا نرى مثل هذه المشاهد إلا في جمهوريات القومية العربية، وأكثرها تسلمت السلطة بانقلابات عسكرية أو بمؤامرات بين رفاق الحزب القائد؟

ما السرّ في تمكن عدد من القبائل الصغيرة من تحويل بلادهم بظرف عشرين سنة فقط من صحراوات قاحلة إلى واحات خضراء يؤمها سنوياً أكثر من عشرين مليون سائح ورجل أعمال من شتى أرجاء العالم؟! ما هذا الذي تفعله الإمارات؟ تبني أعلى برج في العالم؛ ترسل شبابها إلى الفضاء الخارجي؛ تحول مدن الطين إلى جنة الله على الأرض؟! ماذا يخطط ولي عهد السعودية لبلاده؟ كيف نجح في جعل نور بلاده يشع في الأرجاء؟! كيف أمكن لقطر أن تجلس إلى يمين أكبر قوى العالم، وتصبح مركزاً دولياً تلجأ إليه قوى العالم المتخاصمة والمتحاربة بحثاً عن حل لمشكلاتها؟ كيف استطاع أمير الكويت أن يضمن لشعبه كل ما يضمن مستقبله ورفاهيته لعشرات القرون؟!

كل أموال وخيرات هذه البلاد مجتمعة لا تساوي ربع إمكانيات العراق. كل الكوادر والعقول المجتمعة في هذه الدول لا تقارن بما تمتلكه سوريا والعراق من الإمكانيات البشرية القادرة على الخلق والابداع!

إقرأ أيضاً: خدم السلطان

كلّ هذه الأسئلة وجدت إجابتها من خلال الصور والمشاهد المأساوية التي رأيتها معروضة على شاشات التلفاز بعد سقوط طاغية العراق ومجرم سوريا.. هي مشاهد سجون قصر النهاية ومحكمة الثورة ومعتقلات الأمن العامة والمخابرات العراقية، وأقبية السجون والمعتقلات في حماه وحلب وصيدنايا.

نعم هناك الجواب؛ فعندما تبني الأنظمة المستبدة جدراناً عالية حول سجونها لتحجبها عن الأنظار، وتحفر الأقبية لتمنع النور والهواء عن نزلائها، عندها تشعر بفشل هذه الأنظمة في بناء دولة مدنية محترمة قائمة على الاستقرار والتقدم مثل دول الخليج، فتظل هذه الأنظمة الاستبدادية غير المحترمة تدور وتدور في دوامة من العنف وتمارس كل ما هو غير إنساني بحق مواطنيها، وقد يكون بينهم عالم أو خبير أو دكتور جامعي أطلق نكتة، أو ضابط كبير انتقد السلطة، فيفرغ البلد من العقول النيرة ويتسلط الجزارون وأبناء الشوارع على رقاب الناس وتمتليء السجون والمعتقلات بالقادرين على البناء والتقدم.

إقرأ أيضاً: إسرائيل والمقاومة

ثم ستتكسر القيود وتنهار جدران السجون، وسيجد الطاغية بعد فوات الأوان إما طريقه نحو المشنقة وحبل الإعدام، أو اللجوء في إحدى البلدان شريداً خائفاً تلاحقه لعنات الناس وملفات الجرائم التي اقترفها، وذلك هو اليوم الموعود.

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) صدق الله العظيم.