في ظل التقارير الإعلامية الأخيرة التي نشرتها وسائل إعلام غربية بارزة، مثل صحيفة "تلغراف" البريطانية، برزت ادعاءات تفيد بأنَّ النظام الإيراني بدأ يتراجع عن دعمه لجماعة الحوثيين في اليمن. استندت هذه التقارير إلى تصريحات منسوبة إلى مسؤول إيراني كبير لم يُكشف عن هويته، زعم أن طهران قررت تقليص دعمها لجماعة أنصار الله (الحوثيين) نتيجة الضغوط الأميركية المتزايدة وتهديدات الرئيس دونالد ترامب المباشرة. لكن تحليل المعلومات المتوفرة من مصادر موثوقة داخل إيران، إلى جانب تقارير مستقلة، يكشف أن هذه الادعاءات بعيدة عن الحقيقة، وأن النظام الإيراني لا يزال ملتزماً بدعم الحوثيين بشكل كامل، مستخدماً هذه التصريحات كجزء من استراتيجية تضليل إعلامي تهدف إلى تخفيف الضغوط الدولية. طبعاً غياب هوية المسؤول المزعوم الذي أدلى بهذه التصريحات، إضافة إلى التناقض الواضح بين هذه الادعاءات والوقائع على الأرض، يثير شكوكاً جدية حول مصداقيتها.

إنَّ التخلي عن دعم الحوثيين يتعارض مع الاستراتيجية الإيرانية طويلة الأمد التي تعتمد على الجماعات الوكيلة لتوسيع نفوذها الإقليمي ومواجهة خصومها، فمنذ اندلاع الحرب الأهلية في اليمن عام 2015، شكّل الحوثيون أداة حيوية في يد حرس الإرهابي لزعزعة استقرار المنطقة وزيادة الضغط على تحالفها الإقليمي. وبالتالي، فإن أي تراجع مفاجئ عن هذا الدعم يبدو غير منطقي في ظل الأهداف الاستراتيجية للنظام.

موقف المقاومة الإيرانية
وفي‌ سیاق متصل کتب السيد محمد محدثین، مسؤول لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الوطني للمقاومة، في تغريدة: زعم مصدر مجهول أن النظام لن يساعد الحوثيين بعد الآن! هناك نقطتان مهمتان:

أولًا، أي تقليص في هذا الدعم لا ينبع من نية صادقة، بل من الظروف السائدة في الحرب التي تجعل مثل هذا الدعم غير عملي. وكما تحذر الحكمة الفارسية، فإن تقديم الزيت المسكوب إلى الضريح هو مجرد بادرة عديمة الجدوى وسط الفوضى.

ثانيًا، "المصدر الذي يريد أن يبقى مجهولًا" هو مجرد تكتيك يستخدمه النظام لخداع الجماهير الغربية. فمنذ عقدين، ساهم في تسهيل حرب عام 2003 عبر ضخ معلومات كاذبة حول أسلحة الدمار الشامل الوهمية في العراق من خلال جواسيس مزدوجين، وكان الفائز الأول من ذلك هو نفس النظام والتطرف الديني في المنطقة. واليوم، يعيد استخدام نفس الخدعة عبر "مصدر يريد أن يبقى مجهولًا".

الدعم المستمر: أدلة دامغة من الداخل
تؤكد مصادر موثوقة من داخل إيران، بما في ذلك تقارير شبكة منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، أن دعم الحوثيين لم يتوقف بل يزداد قوة يوماً بعد يوم. فيلق القدس، الذراع الخارجي للحرس الثوري الإيراني، يتولى إدارة هذا الدعم بشكل مباشر، بإشراف شخصيات بارزة تشمل:

- العميد عبد الرضا شهلائي: المسؤول الرئيسي عن التنسيق مع قادة الحوثيين، ويدير العمليات اللوجستية والعسكرية من العاصمة طهران.

- العميد إسماعيل قاآني: قائد فيلق القدس منذ اغتيال قاسم سليماني في كانون الثاني (يناير) 2020، وهو المشرف العام على استراتيجية دعم الحوثيين ضمن خطة إيران الأوسع في المنطقة.

وتشير المعلومات إلى أنَّ قرارات الدعم تُتخذ على أعلى المستويات في إيران، بما في ذلك مكتب علي خامنئي والمجلس الأعلى للأمن القومي.

اعترافات رسمية تكشف تورط الحرس الثوري
تشير تصريحات قادة ميدانيين للحوثيين إلى "تعاون استراتيجي" مع طهران. وأما على الجانب الإيراني، نُشرت العديد من الاعترافات الرسمية في وسائل الإعلام الحكومية، منها ما يلي:

قال رستم قاسمي، نائب القائد الاقتصادي لقوة القدس: "ما يملكه الحوثيون من أسلحة ومعدات هو بفضل مساعداتنا".

كما اعترف اللواء غلامعلي رشيد، قائد مقر خاتم الأنبياء المركزي، قائلاً: "في اجتماع لمقر خاتم مع قادة القوات المسلحة، ذكر قاسم سليماني: 'بدعم من هيئة الأركان العامة للحرس الثوري، وهيئة الأركان العامة للجيش، وهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، قمت بتنظيم ستة جيوش خارج أراضي إيران لكم، وأنشأت ممراً بطول 1500 كيلومتر وعرض 1000 كيلومتر حتى سواحل البحر الأبيض المتوسط'".

وأضاف: "هذه الجيوش الستة هي: جيش في لبنان يُعرف باسم حزب الله، وجيش في فلسطين المحتلة يُعرف باسم حماس والجهاد الإسلامي، وجيش في سوريا، وجيش في العراق يُعرف باسم الحشد الشعبي، وجيش في اليمن يُعرف باسم أنصار الله".

أهداف التضليل الإعلامي
تأتي الادعاءات المزعومة عن تراجع الدعم في وقت حساس، حيث تتصاعد الضغوط الأميركية على إيران بعد هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، والتي أثرت على حركة التجارة العالمية. من خلال نشر معلومات مضللة، تسعى طهران إلى تحقيق عدة أهداف:

1. تخفيف العقوبات: تقديم صورة عن مرونة النظام قد تدفع الدول الغربية إلى تقليل الضغط الاقتصادي.

2. كسب الوقت: إرباك المجتمع الدولي لإعادة ترتيب أوراقها الاستراتيجية.

3. تجنب المواجهة المباشرة: تجنب استهداف عسكري أميركي مباشر قد يهدد بنيتها التحتية.

لكنَّ سجل النظام الإيراني التاريخي يظهر أنه لا يتراجع عن أهدافه التوسعية بسهولة، بل يعتمد على التكيف التكتيكي لمواجهة التحديات مع الحفاظ على استراتيجيته الأساسية.