مع إسقاط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس في بغداد في 9 نيسان (أبريل) 2003، كنت أتوسم، مثل الكثيرين، أن يمهد إسقاط التمثال هذا لعهد جديد في العراق يمنحه القوة والقدرة على تجاوز الفترات الدموية التي مر بها بعد انقلاب 14 تموز (يوليو) 1958 وما تلاه من أحداث وتطورات مأساوية، لكن، يبدو أنني قد تجاوزت حدود الحلم والأمل والتفاؤل كثيراً، ولا سيما عندما كنت أنتظر حدوث سيناريو شبيه بالذي عاشته ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، ونهوض العراق كطائر العنقاء من بين الرماد المتراكم منذ 14 تموز (يوليو) 1958 إلى 9 نيسان (أبريل) 2003، ولا سيما بعدما تيقنت من أن العراق قد أصبح سجيناً في قمقم ولاية الفقيه.

أسوأ الفترات التي تمر على البلدان والشعوب هي الفترات التي تُفتقد فيها الإرادة الوطنية، ويصبح البلد مجرد بيدق بأيدي خارجية، ولا سيما عندما يصبح قادة البلد مجرد موظفين يتم توجيههم وتحديد مهامهم سلفاً، وهذا ما يحدث في العراق منذ عام 2003 وحتى الآن.

وأنا أقرأ مقالاً للكاتب علي الكاشي بعنوان "هل يفتقر العراق إلى رموز وطنية؟"، صعقت عندما قرأت تصريحاً نقله عن رئيس جمعية قدامى المحاربين الإيرانيين، وتأكدت من صحته، يقول فيه وبكل وضوح وأريحية: "أنا سعيد جداً عندما أرى جنودي في الجيش الإيراني الذين دافعوا عن إيران وحملوا السلاح ضد الجيش العراقي، أصبح ثلاثة منهم رؤساء وزراء في العراق، و(25) وزيراً، وأكثر من (100) نائب في البرلمان العراقي"!

إقرأ أيضاً: أحقاً أن الحرب والإرهاب بالوكالة إلى غير رجعة؟

هذا الكلام الثقيل جداً جداً على بلد له تاريخه الطويل والعريق، من الصعب جداً هضمه واستيعابه، فهو يدل على مدى استخفاف النظام الإيراني بالعراق وطناً وشعباً، خصوصاً أنَّه لم يعد هناك من عراقي أو عربي لا يعلم أنَّ العراق، ومنذ سقوط نظام حكم صدام حسين، صار مجرد تابع يدور في فلك النظام الإيراني، ويركز في دورانه هذا وبالدرجة الأولى على كل ما فيه خير ومصلحة هذا النظام.

مع كل الانتقادات والمآخذ التي توجه إلى حكم حزب البعث، لا يمكن لأحد أن ينكر أن العراق في ظله كان يمتلك نظاماً تعليمياً راقياً، وكذلك بالنسبة إلى النظام الصحي، والأهم من ذلك أن كليهما كان مجانياً، أما في العراق الذي يحكمه جنود رئيس جمعية المحاربين الإيرانيين القدماء، فإنَّ الأوضاع التعليمية والصحية في أسوأ ما تكون، ودعك من الحالة الاجتماعية ومن القوانين البدائية التي يصدرها برلمان يتم اختيار رئيسه بعد موافقة طهران عليه، ناهيك عن الحالة المعيشية السيئة جداً.

إقرأ أيضاً: هل سيعود القرامطة والخوارج والحشاشون؟

أكثر ما لفت نظري في الأيام الأخيرة وأنا أتابع وسائل الإعلام، ولا سيما في خضم تشديد الضغوط الأميركية على إيران، مطالعتي لعنوان يؤكد عزم نواب في الكونغرس الأميركي على إصدار قانون تحرير العراق من إيران! وقطعاً فقد سبق للكونغرس الأميركي أن أصدر قرار تحرير العراق من حكم صدام حسين ووقّعه الرئيس الأميركي بيل كلينتون في 31 تشرين الأول (أكتوبر) 1998، وهنا أجد من المناسب جداً ذكر مثل عراقي تهكمي من أجل التعليق على هذا الخبر وشبيهه القديم، المثل يقول باللهجة العراقية الدارجة: "وان چان هاي مثل ذيچ خوش مرگه وخوش ديچ!".