من منظور علم الاجتماع السياسي والتاريخي، لا تستمر الكيانات التي تُبنى على الإقصاء القسري والتنافر الجغرافي لفترات طويلة، مهما امتلكت من أدوات الحداثة أو مظاهر القوة، فالتوازن الداخلي، والقبول الإقليمي، والشرعية التاريخية، عناصر حاسمة في استقرار الدول واستمرارها، وإسرائيل بوصفها كياناً استيطانياً طارئاً تفتقد إلى هذه الركائز مجتمعة. لم تنجح في الاندماج الطبيعي مع محيطها، ولا في محو ذاكرة الأرض التي قامت على أنقاضها. ومع تزايد الانقسامات الداخلية وفقدان التعاطف الدولي، تبدو قابلة للانهيار الذاتي أكثر من أي وقت مضى. ففي النهاية، تنهار الفكرة قبل أن تسقط الحدود..!

منذ قيام إسرائيل عام 1948، احتدم الجدل السياسي والفكري حول مدى قدرتها على البقاء، خصوصاً في ظل محيط عربي وإسلامي واسع ترفض شعوبه هذا الكيان المصطنع. وقد أثبتت الدراسات التاريخية الجيوسياسية
أن الدول والكيانات لا تولد لتبقى أبد الدهر، بل تخضع لما يمكن تسميته بـ(قاعدة العمر الافتراضي للكيانات)، وهي قاعدة تستند إلى تحليلات سوسيو-تاريخية وجغرافية ترى أن معظم الكيانات ذات النشأة القسرية تعيش ما بين 70 إلى 80 عاماً، ما لم تجدد شرعيتها الداخلية وتتواءم مع محيطها الخارجي.

اليوم، ومع دخول إسرائيل عامها الـ77، تبدأ مؤشرات الأفول بالظهور بوضوح أمام من ينظر بعين الباحث لا بعين المتحيز. وهذه المقالة تتناول، بلغة أكاديمية وتحليلية، الأسباب الحتمية لانهيار إسرائيل في الأفق القريب، انطلاقاً من منهجية تقاطع العوامل البنيوية مع نظرية العمر الافتراضي للكيانات.

تُظهر دراسات التاريخ السياسي المقارن أن الكيانات التي نشأت على أساس استعماري أو استيطاني غالباً ما تكون ذات عمر افتراضي محدود، بسبب افتقارها للعمق الاجتماعي والتاريخي في الأرض التي قامت عليها. من الأمثلة التاريخية على ذلك: الاتحاد السوفيتي الذي انهار بعد 74 عاماً رغم قوته الهائلة، وجنوب أفريقيا العنصرية التي تفككت بعد نحو 82 عاماً، وكذلك روديسيا التي اختفت من الخريطة بعد أن تجاوزت بالكاد سبعة عقود. لم تنهزم هذه الكيانات عسكرياً، بل تآكلت داخلياً وسقطت بفعل الانقسامات وفقدان الشرعية وتغير البيئة الدولية.

إسرائيل، كذلك، هي كيان استيطاني وُلِد في لحظة تحول تاريخي، وليس امتداداً لدولة يهودية حقيقية. فالمجتمع الإسرائيلي منقسم إثنياً وثقافياً ودينياً، بين طوائف وقوميات وأصول مهاجرة لا يجمعها عقد اجتماعي واضح، بل تعيش على قلق وجودي مزمن، وتسير تحت مظلة عسكرية تحاول أن تعوّض هشاشة الهوية الجماعية.

هذا التصدع البنيوي يتعمق يوماً بعد يوم؛ الانقسامات السياسية غير المسبوقة، الفجوة بين اليمين المتطرف وباقي المكونات، تصاعد الاحتقان بين اليهود الشرقيين والغربيين، وتزايد شعور الفلسطينيين داخل الخط الأخضر بالغربة والاضطهاد، كلها إشارات إلى أن الداخل الإسرائيلي يسير نحو انفجار داخلي قد يكون أعنف من أي تهديد خارجي.

على المستوى العسكري، بدأت أسطورة التفوق الإسرائيلي تتآكل بشكل لافت، أصبحت إسرائيل في مرمى صواريخ حماس (البدائية) ولم تتمكن من إسكاتها رغم العقود الطويلة من القصف والاغتيالات. عملية الطوفان الأخيرة، وما رافقها من اختراقات وتداعيات، شكّلت صدمة وجودية للمنظومة الأمنية الإسرائيلية، وأعادت تعريف حدود الردع. هو فشل استخباراتي ذريع، وعدم التعامل مع المعلومات التي كانت تؤكد وجود هجوم باحترافية أو ربما باستهتار أو حتى تقاعس مقصود غير محسوب النتائج…!

وأكثر من ذلك نلاحظ تآكل الدعم الدولي شيئاً فشيئاً، لم تعد إسرائيل قادرة على حشد التعاطف الغربي كما كانت تفعل سابقاً، وبدأت الأصوات الصديقة تنتقد بشدة سياساتها تجاه الفلسطينيين. صعود حملات المقاطعة، وتراجع التأييد في أوساط الشباب والجامعات الغربية، يدفع نحو عزلتها الاستراتيجية.

كل هذا يحدث بالتوازي مع عامل ديموغرافي لا يرحم: الفلسطينيون، بعددهم المتزايد، وحقهم المتجذر، باتوا كابوساً وجودياً للنخب الإسرائيلية. فإما أن تمنحهم الدولة حقوقاً متساوية وتفقد هويتها (اليهودية)، أو أن تواصل نظام الفصل العنصري وتخسر شرعيتها الدولية. لا خيار ثالث، وحتى سيناريو التهجير العنصري لن يكون كما يخططون له، وتبعاته ستكون وخيمة..!

حين نجمع كل هذه العوامل، نجد أن إسرائيل قد دخلت مرحلتها النهائية ضمن دورة حياة الكيانات. لم تعد تملك أدوات التجدد، ولا غطاء الشرعية، ولا انسجاماً داخلياً، ولا بيئة جيوسياسية داعمة بما يكفي. هي اليوم كيان مهتز، يعيش آخر سنوات عقده الثامن، في وقت بدأت فيه الأرض من تحته تهتز سياسياً وأخلاقياً وعسكرياً. هذه ليست قراءة عاطفية، بل استنتاج مبني على منطق التاريخ. فالدول التي تفقد التوازن بين الداخل والخارج، والتي تُبنى على القسر والقهر، لا تعيش طويلاً. والزمن، كما قال ابن خلدون، لا يحابي من يعاند سننه.

ببساطة… إسرائيل إلى زوال. والعد التنازلي قد بدأ فعلاً، السيناريو المرجّح لنهاية إسرائيل سياسياً أو تحوّلها لكيان هشّ غير قادر على فرض ذاته، سيكون بين عامي 2030 و2033، ليس عبر حرب شاملة، بل من خلال انهيار داخلي تدريجي، وفقدان وظيفتها الجيوسياسية بالنسبة لحلفائها الغربيين. حين تُفتح بوابات 2033، لن تحتاجوا إلى نبوءة، بل مرآة تروا فيها احتراق الخريطة وتفكك الأسطورة. إسرائيل لن تُهزم في معركة، بل ستذوب كقطعة جليد في زمن الحقيقة. اختاروا: أن تواصلوا الإنكار، أو تستعدوا لدفن الكذبة الكبرى.