بعد 30 عاماً على توقيعه، يواجه اتفاق السلام بين إسرائيل والأردن التحديات والمخاطر.

يصادف هذا الأسبوع مرور 30 عاماً على اتفاق السلام الذي تم توقيعه بين المملكة الأردنية الهاشمية ودولة إسرائيل، والذي تسنى إبرامه بعد توقيع اتفاقيات أوسلو وكامب ديفيد بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. وقد صمد هذا الاتفاق في وجه كل العواصف التي مرت بها المنطقة خلال هذه الفترة، بما في ذلك انهيار اتفاقيات أوسلو بالفعل، والعديد من الأزمات بين البلدين، وذلك بسبب المصالح المشتركة لكلا الدولتين والمخاطر الإقليمية التي تهددهما.

وفي الوقت الراهن، يبدو أن هذا الاتفاق في أدنى مستوى له منذ توقيعه، وتشهد العلاقات بين البلدين فتوراً غير مسبوق. وهناك عوامل عدَّة أوصلت العلاقات بين البلدين إلى حالتها المتدنية الراهنة. أولها انعدام الثقة بين القيادات في الجانبين، خاصة ثقة العاهل الأردني عبد الله الثاني برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لا سيما بعد تشكيله الحكومة اليمينية التي تشمل التيار اليميني المتطرف واندلاع الحرب مع حماس ومع حزب الله في أعقاب الاعتداء الإرهابي في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي.

أما ثانيها، فهو الرأي العام في المملكة الذي ثار ضد إسرائيل في أعقاب الحرب، والذي بات يطالب بإلغاء الاتفاقية. وبالرغم من استقرار النظام الملكي في الأردن وشعبيته، فعليه أخذ الرأي العام للمواطنين الأردنيين في الحسبان، إذ ينحدر نحو 70 بالمئة منهم من أصول فلسطينية، ولا يمكن للنظام أن يتجاهلهم ومشاعرهم. كما أن الخطوات الاستفزازية التي يقدم عليها الوزير إيتمار بن غفير بين حين وآخر تجاه الحرم القدسي تحرج النظام الملكي، الذي له مكانة خاصة معترف بها من قبل إسرائيل والمجتمع الدولي في الحرم.

أما بالنسبة إلى العوامل التي تؤيد الاتفاق وتساعد على صموده، فهي عديدة على المستويات الإقليمي والدولية، والثنائية أيضاً. إنَّ المملكة الأردنية وإسرائيل يشكلان جزءاً لا يتجزأ من المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة عالمياً، وهما تعتمدان على هذا المعسكر إلى حد كبير في مسألتي الأمن القومي ومتانة الاقتصاد. وهذا المعسكر يمنحهما ضمانات للدفاع عنهما في وجه المتربصين بهما، وعليه، فإنَّ الأردن وإسرائيل في خندق واحد، ولا بد من تعاونهما في إطار هذا الخندق.

إقرأ أيضاً: ماذا حققت حماس بعد السابع من أكتوبر؟

هناك عدو مشترك يهدد الأمن في إسرائيل ويسعى إلى زعزعة النظام في الأردن، ألا وهو إيران، التي باتت تطوق البلدين من الشرق والشمال، إذ تهيمن على سوريا ولبنان، ولها نفوذ كبير في العراق. كما أنها أقدمت، حتى قبل نشوب الحرب الراهنة، على إثارة القلاقل في المملكة سعياً لزعزعة استقرارها. ومن غير الواضح حالياً ما إذا كانت نتيجة الحرب الحالية ستغير الأوضاع في المنطقة وتؤدي إلى تحجيم النفوذ الإيراني فيها.

أمَّا في المجال الثنائي، فهناك مزايا وفوائد لكلا الطرفين في بقاء الاتفاق، وتتمثل في المجالين الأمني والاقتصادي. من الواضح للجميع أن هناك تعاوناً أمنياً بين البلدين وتنسيقاً من وراء الكواليس، الأمر الذي يصب في مصلحتهما، علماً بأن أطول حدود لإسرائيل هي مع الأردن، وحماية هذه الحدود تستلزم التعاون والتنسيق.

إقرأ أيضاً: الوعي الإعلامي: لماذا يجب أن نوليه بالغ الأهمية؟

ومن الناحية الاقتصادية، كان هناك في الماضي تعاون ومشاريع مشتركة بين البلدين، إلا أن حجمها تقلص كثيراً بسبب الظروف السياسية. ومع ذلك، فإن هذا التعاون لا يزال قائماً في بعض المجالات، وخاصة في الزراعة والري، حيث تزود إسرائيل الأردن بحوالي 100 مليون متر مكعب من الماء سنوياً، أي ضعفي ما ينص عليه الاتفاق بينهما.

إذا أخذنا في الاعتبار كل هذه العوامل، فأتوقع أن اتفاق السلام بين البلدين سيصمد في المستقبل المنظور، إذ إنه يمثل جزءاً من نظام دولي أوسع ويشكل لبنة في النظام الإقليمي المتبلور.