سقوط النظام في سوريا كان نتيجة الكثير من العوامل، منها القتال الذي أنهك كاهل الجنود، والفقر، وتدهور الحالة المعيشية، وتدني رواتب العساكر، وحالة الفساد التي نخرت جسد الجيش السوري، ولا يخفى على أحد دور الاتفاق بين الدول الإقليمية والعالمية في هذا السقوط.

نعم، انتهى النظام بكل ما كان يمارسه بحق الشعب السوري بكل طوائفه، وكل تلك الممارسات لا تخفى على أحد، واستلمت زمام الأمور في دمشق جماعات مسلحة منطوية تحت مظلة هيئة تحرير الشام، والتي كان اسمها جبهة النصرة. هذه الجبهة، والعديد من الفصائل المسلحة المنضوية تحت تلك المظلة، والكثير من الأشخاص وعلى رأسهم الجولاني، الذي نصب نفسه رئيسًا على سوريا، مصنفون على لائحة الإرهاب من قبل مجلس الأمن والعديد من الدول. وبدأوا بحل كل مؤسسات وأجهزة الدولة، وطرد كل الموظفين من الدوائر الحكومية، أي أن هؤلاء أسقطوا الدولة بأكملها، فلم يعد هناك شيء اسمه الدولة السورية، إذ بات الخوف والفوضى يعمان شوارع دمشق.

منذ استلام سلطة الأمر الواقع الحكم في دمشق، أطلقت الكثير من الشعارات الإيجابية التي، في البداية، بعثت بعض السرور في الشارع السوري، ولكن هذه الشعارات حتى الآن بقيت مجرد أقوال، أما الأفعال فهي عكس ذلك، إذ إن عمليات الاعتقال والضرب والزج في السجون مستمرة وبشكل يومي، بحجة أن هذا موالٍ أو كان في صفوف الجيش السوري. نعم، نحن مع محاسبة كل من لطخ يديه بالدماء وتسبب في تشريد الشعب، ولكن هذه المحاسبة يجب أن تكون عن طريق محاكمة عادلة وليس على يد مسلحين لا ينتمون إلى الوطن السوري. وحتى الجولاني يجب أن يُحاسب، لأن يديه ملطخة بالدماء، فهو الذي قتل ونحر الكثير من الأبرياء.

والأسوأ في هذا السيناريو هو وجود الكثير من غير السوريين في صفوف تلك الجماعات، فهناك الإيغوري، الباكستاني، الشيشاني، الأردني، والمصري، ومن كل بقاع الأرض، حيث انضم إلى تلك الجماعات كل من خرج عن القانون في دولته.

وشر البلية ما يضحك؛ فالجولاني منح الكثير من هؤلاء رتبًا عسكرية عالية وسلمهم مناصب، وبعضهم لا يجيد القراءة ولا الكتابة، حتى إن البعض منهم لا يتكلم العربية.

ومن تصريحات سلطة الواقع أنهم يودون صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات. فيا راعاك الله، هم يقولون إن صياغة الدستور ستحتاج إلى مدة زمنية تزيد على ثلاث سنوات، والانتخابات أكثر من أربع سنوات، وفي هذه الحالة، فالشعب السوري خرج من حفرة ووقع في جورة.

وهي تزعم بأنها ستعمل على إقامة حوار وطني سوري، وشكلت لجنة من أجل التواصل مع الجهات والشخصيات السورية لحضور هذا الحوار. هذه اللجنة مكونة فقط من جهة واحدة، فهي تتكون من سبعة أشخاص، ستة منهم من الطائفة السنية وامرأة مسيحية، وقد استبعدوا من هذه اللجنة بقية مكونات الشعب السوري، فلا تمثيل للدروز فيها، ولا للكرد، ولا للعلويين، ولا للإسماعيليين، ولا للسريان، فيا لها من لجنة! وعلى ما يبدو، فإن هذا الحوار سيكون مثل الاجتماعات التي كانت في زمن النظام السابق، فلم يتغير شيء، فعقلية الإقصاء بقيت كما هي، فقط الأشخاص تغيروا، والأدوار تبدلت. وعلى القائمين على هذا الحوار أن يدركوا أن كل من لم يشارك فيه لن يكون ملزمًا بالقرارات التي ستصدر عنه، أي أنها ستبقى مجرد حبر على ورق.

في هذه الحالة، ستدخل سوريا في نفق مظلم وطويل، والحرب الأهلية قادمة بين تلك الجماعات ومكونات الشعب السوري، ونرجو ألا تكون هناك سيناريوهات أخرى أسوأ.