لم أرَ قدرًا من التناقضات في تصريحات رئيس كما رأيتها في تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غزة مؤخرًا.

فهو يريد تهجير أهل غزة ليعيشوا حياة أفضل في الدول العربية المجاورة، وتارة يريد فتح أبواب الجحيم على غزة، وإن حصل هذا، فلن يبقى أحد لا للعيش ولا للتهجير.

ومرة ثالثة يقول إنه مع الدول العربية فيما تطرحه من حلول!

إلا أن أغرب صيحات ترامب هو عزمه شراء القطاع واستثماره ليصبح ريفييرا الشرق الأوسط! وكما يسوّق له وزراء حكومته، فهو "أفضل صانع صفقات في العالم".

أفضل صانع صفقات في العالم يريد شراء القطاع ممن لا يملكه ليعطيه لمن لا يستحقه!

هكذا، وبكل بساطة، وضد أبسط مبادئ وأعراف القانون الدولي.

ترامب لا يملك رؤية واضحة ولا خارطة طريق، وكل ما يقوم به مجرد مناورات سياسية استعراضية يُعاد تدويرها كل مرة.

إن أهل غزة لن يرحلوا، وتهجير عامي 1948 و1967 لن يتكرر، ولن يبتلع الغزيون ولا العرب الطُعم مجددًا.

خلال أكثر من 15 شهرًا، فتحت إسرائيل على غزة أبواب الجحيم حقيقة وليس ادعاءً، وأمدّت أميركا وحلف الناتو إسرائيل بكل أسباب القوة والنصر، وقد أحدث هذا قوة تدميرية هائلة وغير مسبوقة.

لقد أصبح القطاع حرفيًا كومة أنقاض وبقايا رماد بائس، ومع هذا ما زال ترامب يهدد بنار جهنم!

رغم كل هذا، لم يثبت في غزة شيء كما ثبت أهل الأرض في أرضهم.

لا تنفك الولايات المتحدة وإسرائيل تتحدثان عن هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) على أنه هجوم إرهابي، ونحن على كل حال ضد هذا الهجوم، لكن لا تريد الولايات المتحدة ولا إسرائيل الاعتراف بأن ما ولّد هذا الهجوم هو الاحتلال وتبعاته، وليس العكس، وهو ما تدينه الأمم المتحدة والقانون الدولي. هناك أكثر من 140 دولة حول العالم تعترف بدولة فلسطين، دولة ذات عضوية كاملة في الأمم المتحدة.

بصراحة، لا أعرف لماذا يذكرني ترامب بالزعيم السوفييتي الشهير نيكيتا خروتشوف؟!

قد يكون اشتراك الرجلين في العروض التمثيلية أو استهتارهما بالقوانين والأعراف الدبلوماسية هو السبب.

لقد عُرف عن خروتشوف فظاظته وغلظته، وبعده عن أبسط قواعد اللباقة واللياقة الحياتية والسياسية.

وصل به الأمر ذات مرة إلى أن خلع حذاءه وأخذ يضرب به منصة الأمم المتحدة، وأمام كل الوفود الدولية، احتجاجًا على ممارسات الإمبريالية البغيضة!

سأل مرة مدير المراسم البريطانية، مشيرًا إلى الأمير فيليب زوج الملكة:

قل لي، ماذا يعمل هذا الرجل؟

قال مدير المراسم: سيدي خروتشوف، هذا هو زوج الملكة!

فرد عليه باستهتار: لا.. لا.. أنا أقصد: ماذا يعمل في النهار؟!

وفي حفل المساء، وقف ينتقد الإمبرياليين الغربيين الذين يصورون الروس كحيوانات، ولإثبات عكس ذلك، استدار مبرزًا لهم مؤخرته، ورفع طرف معطفه وهو يقول: انظروا، هل يوجد لدي ذيل؟!

لاحقًا، تم عزل خروتشوف بسبب الإساءة إلى منصبه بالتصرفات الاستعراضية التي استفادت منها الدعاية الغربية.

عودًا على بدء، فغزة ومعها العرب اليوم أمام مفترق طرق تاريخي، فرفض مشاريع التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، والعمل على مزيد من العمل العربي المشترك، هو صمام الأمان أمام "استحقاقات المرحلة من منظور أميركي إسرائيلي"، والتي يبدو أنها ستكون على درجة عالية من التحدي.