هل تُسقِط الثورة الوطنية الإيرانية ثورة شباط (فبراير) عام 1979 التي لا تزال قائمة إلى اليوم؟ هل تسقط دكتاتورية ولاية الفقيه ورأسها ونظامها كما أسقطت دكتاتورية الشاه في حينها؟ رغم نضالهم بلا حليف، إلا أنهم بإرادتهم قد يقهرون المستحيل ويقلبون الطاولة على رؤوس الملالي ومن خلفهم، وتذهب مخططاتهم أدراج الرياح في لحظات كما قلبوها في شباط (فبراير) 1979.
احتفل الشعب الإيراني ومعه أحرار العالم بذكرى ثورته المجيدة التي أطاحت بدكتاتورية الشاه وشرطي الغرب في المنطقة. لقد كانت الثورة الوطنية الإيرانية، ثورة شباط (فبراير) 1979، من أعظم الأحداث التي شهدها التاريخ الإيراني المعاصر بعد الثورة الدستورية، إذ كانت هذه الثورة امتداداً وإصلاحاً لمسار الثورة الدستورية، وجسدت تلك الثورة إرادة جميع الإيرانيين على مختلف مشاربهم وانتماءاتهم، وكانت أمل خلاصٍ لهم، لولا تآمر الغرب وقواه الرجعية على الشعب الإيراني وثورته، والإصرار على أن يبقى للغرب شرطي في إيران، ولا فرق في ذلك عندهم إن كان الشاه هو الشرطي أو أن يتم استبداله بـ"مُلا" من خلال سرقة الثورة وتسميتها بالثورة الإسلامية والعبث بمشاعر المواطنين والاحتيال عليهم. وجاءت الطائرة الفرنسية بالشاه المعمم ليكون خليفة للدكتاتورية الشاهنشاهية وبنفس النهج مع اختلاف الشعارات والملابس، لتدخل إيران المعاصرة في أحلك مراحلها ظلاماً ودموية بقيام نظام الملالي الثيوقراطي الذي يحكم إيران منذ عام 1979. وكان الدم والعنف والاستبداد وسيلتهم لضمان استمرار حكمهم، حكموا باسم الإسلام والشيعة فشوهوا الإسلام والمذهب الجعفري، وعززوا الرذيلة، وطغى على حكمهم الفساد، وكأنهم لم يكونوا على ملة الإسلام أبداً. ولم يسلم من بطشهم ووحشيتهم عرق ولا دين ولا طائفة، وكان الشيعة من أكثر ضحاياهم. ولما امتد وباؤهم إلى لبنان والعراق، كان الشيعة الخلّص من أكثر ضحاياهم وأشدهم بؤساً.
إقرأ أيضاً: نحو سياسة رشيدة تجاه إيران
أحيى الشعب الإيراني ومقاومته هذه الأيام الذكرى السنوية للثورة الوطنية الإيرانية التي سلبها الملالي، وأسسوا نظام حكمهم على إثرها بدعم من قوى الاسترضاء والمهادنة الغربية التي لا تزال تواظب على دعمها لنظام الملالي، على الرغم من افتضاح التوافق بين الطرفين وإعلان الملالي مراراً وتكراراً بأنهم يروضون قوى الاستكبار وفق رؤيتهم. تصريح الملالي بهذا المنطق صحيح، فهم بالفعل، وبشكل أو بآخر، يتبعون سياسة المساومة والابتزاز مع الغرب إلى حد خروج الأخير عما يدعيه من شعارات غير مكترثٍ بقضاء أو تشريع أو ما يدعيه من قيم حضارية.
قرابة 46 سنة من الجحيم عاشها ويعيشها الشعب الإيراني تحت حكم نظام ولاية الفقيه، كانت كافية لكشف كافة ألاعيب ومكر هذا النظام ومعرفة من يقف وراءه. ومن هذا المنطلق حدد الشعب الإيراني خياراته ووقف مع مقاومته ووحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق ليحقق أهدافه بنفسه، وينال حريته، ويقيم جمهوريته الحقيقية وفق قيم الديمقراطية والعدل والمساواة واحترام حقوق الجميع، وفقاً لبرنامج المواد العشر الذي تبنته السيدة مريم رجوي، رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، لقيادة المرحلة الانتقالية بعد سقوط مشروع الملالي في إيران والمنطقة.
إقرأ أيضاً: ملالي إيران ومحور المقاومة: رسالة إلى جحافل المخدوعين
لم يكن نظام الملالي الحاكم في إيران بتلك القوة التي يصعب الإطاحة بها، نظراً لطبيعته وطريقة إدارته للبلاد، لكن دعم الغرب له مكنه من الاستمرار في السلطة رغم طابعه الدموي وحملات الإعدامات المستمرة والانتهاكات السافرة لحقوق الإنسان. إلا أن الغرب كان أكثر منهم وقاحةً بتغاضيه عن جرائمهم رغم عدم إنكارهم لتلك الجرائم. ولم يكتفِ الغرب بذلك، فقدّم العراق على طبق من ذهب لملالي إيران ليعززوا بأموال العراق قدراتهم التسليحية وتشكيلاتهم العصابية، وتطوير برنامجهم النووي والصاروخي لمساومة وابتزاز وتركيع المنطقة بما يشتهي الغرب ويأمل. وقد كان العراق منذ احتلاله في عام 2003 وحتى اليوم مخرجاً للملالي من أزماتهم، ووسيلة للتحايل على العقوبات الدولية المفروضة عليهم، وبعلم القوى الغربية التي تندد وتهدد وتتوعد ويتعالى صوتها بشأن برنامج الملالي النووي وقدراته التسليحية.
نعلم مدى أهمية نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران بالنسبة للغرب في المنطقة، ولولاه لما كان يمكن هدم غزة على رؤوس أهلها، والسعي اليوم لتفريغها من سكانها لتستقر سلطات الاحتلال في فلسطين، وتكون مستعمرة أميركية يتم تحويلها إلى ميناء كبير ومنطقة عالمية حرة، وتموت القضية الفلسطينية وتصبح فلسطين طي النسيان. ومن هنا، كيف يمكن للغرب أن ينسى أو يتجاهل أهمية ملالي إيران وما قدموه من هدايا للمحتل أولاً وللغرب ثانياً، أو أهمية وجود الملالي في إدارة الصراعات الإقليمية وفرض أتاوات على دول المنطقة؟ وهنا لا علاقة للغرب بمحن وكوارث الشعب الإيراني وشعوب المنطقة طالما أن الأمر لا يتعلق بهم ولا بمصالحهم. لكن ما لا يدركه الغرب هو إرادة الشعوب التي قد تقلب الطاولة على رؤوسهم وتذهب بمخططاتهم أدراج الرياح في لحظات، كما فعلتها في سوريا بعد سنوات من الجحيم وتستر الغرب. هذا ما يجب أن يدركه المجتمع الدولي بقيادة الغرب ويتماشى معه، فالقادم في إيران والمنطقة سترسمه إرادة الشعوب.
إقرأ أيضاً: السياسة الجديدة تجاه إيران بين الواقع والمرتجى
تُرى، هل يقف المجتمع الدولي الذي يصرخ من البرنامج النووي لملالي إيران إلى جانب الشعب الإيراني ويعترف بحقه وحق وحدات المقاومة في مواجهة النظام وقواه القمعية؟ وهل هناك خلاف فعلاً بين المجتمع الدولي ونظام الملالي يقوده إلى ضرورة إسناد الشعب الإيراني في مسعاه لإسقاط الدكتاتورية في إيران وتغيير النظام؟ هذا ما يجب أن يقدمه العالم اليوم للشعب الإيراني في ذكرى ثورته، ولن يكون هناك خيار سوى مجابهة النار بالنار، وهذا حق مشروع على الغرب أن يعترف به، تاركاً أساليب التحايل والمناورة التي يدعم بها نظام الملالي بشكل مباشر أو غير مباشر. وغداً سيحتفل الشعب الإيراني بثورته وسينتصر على الطغاة، ويتلقى العزاء في دكتاتورية ولاية الفقيه.
التعليقات