السياسة الجديدة تجاه إيران: دعم الشعب والمقاومة الإيرانية من أجل الديمقراطية

عُقِد في بروكسل يوم 20 من تشرين الثاني (نوفمبر) 2024 مؤتمر هام للبرلمان الأوروبي تحت عنوان: "السياسة الجديدة تجاه إيران - التركيز على الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية".

يُبرز تراكم الأحداث والمواقف الأوروبية وحتى الأميركية مدى الهوة الشاسعة بين التوجهين في السلطتين التشريعية والتنفيذية، خاصة فيما يتعلق بالشأن الإيراني والشرق الأوسط. ففي حين أعلنت أغلبية برلمانية أوروبية مصادقتها على وضع حرس الملالي، ما يسمى بـ"الحرس الثوري"، على لائحة المنظمات الإرهابية لدى الاتحاد الأوروبي، حالت السلطات التنفيذية في دول الاتحاد دون تنفيذ ذلك. بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث أتمت صفقات تبادل مجرمين إرهابيين مُدانين بموجب القضاء الأوروبي برهائن مختطفين لدى النظام الإيراني.

مواقف أخرى كثيرة تتعلق بانتهاكات نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران لحقوق الإنسان، ونشره للتطرف والمخدرات، ودعمه للإرهاب، وتدخله في شؤون دول الشرق الأوسط وأماكن أخرى في العالم، بالإضافة إلى ملف البرنامج النووي؛ كلها ملفات تغاضى عنها الغرب، غير مبالٍ بعواقب سياسة الاسترضاء التي ينتهجها مع النظام الإيراني، ولا بمعاناة الشعب الإيراني وشعوب المنطقة.

تمادى الغرب ولا يزال في مهادنته لملالي إيران، بالرغم من تصريحات الملالي المتكررة بأنهم فرضوا رغباتهم وتوجهاتهم على دول "الاستكبار العالمي". ولم يرد أحد من هذه الدول على تلك التصريحات. وبدلاً من الرد عليها، وضعوا قيوداً على المقاومة الإيرانية، وهي قيود جائرة تلبيةً لمطالب نظام دكتاتوري رجعي مارق على القيم والأعراف الدولية والإنسانية.

المهم اليوم أن المقاومة الإيرانية قد بدأت بمصارحة أكبر من ذي قبل، من خلال كلمة مريم رجوي، رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، كرئيسة للمرحلة الانتقالية ما قبل تسليم السلطة للشعب، وهي أشهر معدودة وفق البرنامج المطروح.

حمل خطاب رجوي رسالتين: الأولى كانت نقداً مباشراً وصريحاً للغرب على مهادنته، وهو أمر دأبت عليه منذ زمن، لكنه كان أكثر وضوحاً ومباشرة هذه المرة. أما الرسالة الثانية، فكانت دعوة الغرب إلى الوقوف إلى جانب الشعب والمقاومة الإيرانيين، والكف عن سياسة المهادنة والاسترضاء.

تأتي أهمية المؤتمر من انعقاده بشأن مستقبل إيران بحضور رجوي، التي تقود أقدم وأكبر ائتلاف وطني إيراني معارض، وبحضور العديد من أعضاء البرلمان الأوروبي من تيارات سياسية مختلفة. سلطت رجوي، من خلال خطابها، الضوء على قضايا أساسية، أبرزها انتهاكات النظام الإيراني لحقوق الإنسان. وأشارت إلى موجة الإعدامات غير المسبوقة، حيث تم تنفيذ حوالي 800 عملية إعدام منذ بداية 2024 فقط. كما سلطت الضوء على السجل الأسود للنظام الإيراني الذي شمل أكثر من 100 ألف إعدام سياسي، ومئات الآلاف من المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب. وأوضحت رجوي أن النظام الإيراني يسعى إلى تصدير الأزمات إقليمياً، حيث يستخدم الحروب الخارجية كأداة لحماية نفسه من السقوط داخلياً. وأشارت إلى اعتراف خامنئي بأن الانخراط في الصراعات الإقليمية، كتلك التي تجري في سوريا والعراق واليمن، هو وسيلة لتجنب مواجهة الاحتجاجات الشعبية داخل إيران. وأكدت رجوي على قدرة الشعب الإيراني والمقاومة على إحداث التغيير الديمقراطي في إيران.

تهديد مزدوج: البديل إيران غير نووية
يواصل النظام الإيراني المضي قدمًا ببرنامجه النووي في خرق واضح للاتفاقيات الدولية. يمثل السلاح النووي ضمانة لبقاء هذا النظام. في هذا السياق، أكدت المقاومة الإيرانية ضرورة اتباع سياسة حازمة تجاه نظام الملالي، مطالبة بتفعيل آلية الزناد وتنفيذ القرارات الأممية الستة غير المطبقة حتى الآن. شددت المقاومة على أن الحل الأمثل يكمن في إسقاط النظام عبر دعم الشعب والمقاومة الإيرانية. كما أكدت أهمية تصحيح الأخطاء الغربية الماضية وسياسة إنكار البدائل، مشيرة إلى أن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية هو البديل الديمقراطي الذي يمتلك رؤية وخطة شاملة لقيادة إيران نحو الحرية. واعتبرت أن إسقاط النظام وإقامة جمهورية ديمقراطية غير نووية هدف قابل للتحقيق بفضل ثورة الشعب الإيراني واستعداده للتغيير، بقيادة "وحدات الانتفاضة" التي كسرت حاجز الخوف داخل البلاد.

البرنامج السياسي للمقاومة
حمل الخطاب بوضوح في مضمونه رسالة تحدٍ لتيار المهادنة الذي يستجيب لمطالب النظام الإيراني إذ أكدت على الدور المحوري لمنظمة مجاهدي خلق كحركة معارضة تمتلك تاريخاً من النضال ضد دكتاتورية الشاه ونظام الملالي، مشيرة إلى دور "أشرف 3" في ألبانيا كمركز للمقاومة، وأن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية يقدم برنامجاً شاملاً يشمل الحريات، حقوق المرأة، المساواة الدينية، إلغاء عقوبة الإعدام، وبناء إيران غير نووية، وأشارت إلى الدعم الدولي الواسع الذي حظيت به المقاومة من بين ذلك تأييد 34 أغلبية برلمانية في أوروبا وأمريكا، وبيانات دعم من قادة دول وشخصيات دولية بارزة، ويعكس هذا الدعم إيماناً بقدرة الشعب الإيراني على بناء جمهورية ديمقراطية مستقرة مشيرة إلى أن الهدف ليس السيطرة على السلطة بل تسليمها للشعب الإيراني مع ضمان تمثيل كافة القوميات والطوائف، وأن عملية انتقال السلطة بعد إسقاط النظام ستكون سريعة حيث سيتم تشكيل حكومة مؤقتة لمدة 6 أشهر لتنظيم انتخابات مجلس تأسيسي، ووفقاً لذلك وفي هذا السياق فأن إتباع الاتحاد الأوروبي لسياسة حازمة وموقف فعلي تجاه نظام الملالي باتجاه دعم الشعب الإيراني في سعيه لتحقيق الحرية والديمقراطية فإن ذلك سيكون الطريق إلى السلام والاستقرار في المنطقة الذي يبدأ بتغيير النظام في إيران، ومن هنا فإن الدعم الدولي الفعلي هو ضرورة مُلحة من أجل تغيير النظام الإيراني وإعادة الأمن والاستقرار للمنطقة.

بعد هذه القراءة أرى أنه قد وضعت المقاومة الإيرانية الكرة في ملعب الغرب بشكل خاص والمجتمع الدولي بشكل عام ولا حل أمام الجميع سوى الوقوف إلى جانب الشعب الإيراني ومقاومته.. فهل سيتراجع هذا النظام العالمي ومتنفذيه عن سياسة المهادنة واسترضاء نظام الملالي على الأقل لحفظ ماء الوجه واستعادة هيبة المنظومة الدولية التي استخف بها نظام الملالي وأقرانه من الأنظمة المارقة؟ عندها "إن" استعادت المنظومة الدولية هيبتها فإنها ستكون جديرة بالاحترام والاتباع!