ضجة كبيرة صاحبت قرار حركة حماس إبرام صفقة تبادل أسرى مع إسرائيل، خاصة بعد اغتيال الاحتلال لزعيم الحركة يحيى السنوار وكذلك إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة. يبدو أن هذه الصفقة، التي تأتي في فترة صعبة تعيشها الحركة، تلمح بالكثير عن المستقبل السياسي لحماس.

أولى هذه التلميحات هي وجود هشاشة سياسية داخل كيان الحركة، خاصة بعد اغتيال اثنين من كبار قياداتها، اللذين كانا يحركان خيوط الأوضاع في غزة، وكانا العقل المدبر لهجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023. هذا يؤكد أن الحركة تعاني، وقد تكون تلفظ أنفاسها الأخيرة وتحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن تحتضر.

ثاني هذه التلميحات هو أن حماس فشلت في تجنيب سكان غزة المزيد من الدمار، خاصة بعد أن أقحمت الشعب في حرب خربت حياتهم وقتلت أبناءهم وشردتهم في أماكن الإيواء بلا مأكل أو مياه نظيفة أو حتى رعاية صحية. هذا يؤكد أن الحركة لا تبحث إلا عن مكاسب سياسية، ولا يهمها حسابات الشعب المسكين الذي يعاني من أجل البقاء تحت الحصار الإسرائيلي ليلاً ونهاراً، ويحتمي بأماكن الإيواء من الموت المحقق برصاص الاحتلال.

ويبدو أن حماس تركز على حماية كبار قادتها أكثر من الترويج الحقيقي لعودتهم إلى بؤرة الضوء وقمة الهرم السياسي في غزة مجدداً، بعد أن ألحقت ضرراً بالغاً بالشعب دون نتيجة سوى الموت والتشريد وفقدان الأهل والأحبة.

وفي الوقت الذي أعلن فيه عن وجود اتفاق لوقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل ودخوله حيز التنفيذ، ألمحت حماس بأنها أبلغت الوسطاء في مصر وقطر وتركيا أنها جاهزة لاتفاق وقف إطلاق النار وصفقة جادة لتبادل الأسرى إذا التزم الاحتلال. لكن يبدو أن الاحتلال يعطل ويتهرب من الوصول إلى اتفاق، ويواصل حرب الإبادة والقضاء على تاريخ حماس السياسي.

إقرأ أيضاً: نزيف الاقتصاد الفلسطيني يستمر

وكانت الولايات المتحدة ومصر وقطر قد توسطت على مدى أشهر في رعاية مفاوضات من أجل التوصل إلى صفقة لوقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل. إلا أن المحادثات والجولات لم تفض إلى نتيجة بسبب إصرار كل جانب على شروطه، وخاصة حماس، التي لا تريد أي تسوية سياسية على حساب عودتها إلى السلطة في غزة من جديد.

ولم تتوصل إسرائيل وحركة حماس، منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، إلى هدنة وحيدة إلا لمدة أسبوع في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي. أتاحت تلك الهدنة الإفراج عن أكثر من مئة رهينة من أصل 251، كانوا قد اختطفوا خلال هجوم حركة حماس على مدن في جنوب إسرائيل، مقابل الإفراج عن سجناء فلسطينيين من السجون الإسرائيلية. في ظل وجود 97 رهينة إسرائيلية محتجزين لدى حماس في قطاع غزة، ما زالت حماس تراهن على هذه الورقة لإجبار إسرائيل على الجلوس إلى طاولة المفاوضات والقبول بصفقة الهدنة.

إقرأ أيضاً: ماذا لو نُشرت قوات حفظ السلام في غزة؟

من الواضح أن المسؤولين في حركة حماس حريصون على الوقف الفوري والدائم للعدوان في غزة، والقبول بأي صفقة، سواء كانت في القاهرة أو الدوحة، بهدف وحيد، وهو الدفع بورقة العودة إلى حكم غزة مجدداً.

ورغم قرب إبرام صفقة تبادل الأسرى والحديث عن قرب وصول وفد من حماس إلى القاهرة لإجراء محادثات مع مسؤولين مصريين، في إطار المساعي لحلحلة مسار التوصل إلى صفقة تبادل ووقف إطلاق النار في غزة وعودة حماس، إلا أن كل التوقعات تشير إلى أن إسرائيل لن تقدم تنازلات ولن تسمح بعودة حماس لإدارة غزة بعد الحرب.

إقرأ أيضاً: فلسطينيو أوروبا والقضية الماثلة في الذاكرة

ربما تشهد الأيام المقبلة تغييرات في شروط صفقة التبادل لصالح إسرائيل، ما قد يؤدي إلى فشل الصفقة بسبب تعنت حماس، التي قد تجد نفسها خارج بؤرة الأحداث.

ومع ذلك، يبدو أن إسرائيل ستنهي الحرب في غزة عندما تحقق أهدافها. كما أنها بحاجة إلى شريك فلسطيني موثوق به، بعيد عن تنازلات وأطماع حماس السياسية، التي ألحقت ضرراً بالغاً بغزة دون أي نتيجة تذكر.