في زوايا عالم الصحافة الرياضية العربية، يبرز اسم الإعلامي الرياضي المغربي محمد بنيس كجوهرة نادرة، تضيء بفكرها العميق وروحها الشغوفة. فقد وُلد بنيس في مدينة الرباط عام 1947، وانطلقت رحلته مع عالم الكرة منذ نعومة أظافره، كلاعب في نادي المغرب الرباطي. غير أن القدر كان يرسم له طريقاً مختلفاً، أكثر إشراقاً، في عالم الكلمة والتحليل الرياضي.
بدأت مسيرته الصحفية في عام 1969 عندما كتب عن مباراة كرة قدم لجريدة "العلم" المغربية، ليتحوَّل مباشرة إلى قسم الرياضة. ومنذ ذلك الحين، لم يكن بنيس مجرد صحفي، بل بات سفيراً للرياضة في العالم العربي، يمزج بين الحب والشغف بمهنيته العالية وأسلوبه الفريد، حيث مزج بين الأدب والرياضة في كتاباته. وشغل منصب المحرر العام لمجلة "الصقر" الرياضية القطرية في الدوحة لسنوات عديدة، وأبدع كمحلل رياضي على شاشات العديد من القنوات التلفزيونية، كما عمل مستشاراً إعلامياً للعديد من الشخصيات الرياضية العربية في الخليج العربي.
ولم يكن عشق بنيس لنادي الهلال السعودي مجرد حب عابر، بل هو عشق متجذر في أعماق قلبه. ففي كل مباراة، كان يعيش مع الهلال لحظاته، ويحلل بإحساس الشاعر المتيم. نادي الهلال بالنسبة له ليس فقط فريق كرة قدم، بل هو رمز للعراقة والإبداع، يحمل معه آمال وأحلام محبيه من كافة أرجاء العالم العربي.
ومن خلال مقابلاته المتعددة وحواراته الأنيقة مع نجوم الكرة السعودية، كوَّن بنيس علاقة فريدة مع مشجعي الهلال. بأسلوبه الراقي والمهني، نجح في جذب القلوب وإلهام العقول، ليصبح رمزاً إعلامياً عشقته جماهير الكرة.
إقرأ أيضاً: البرازيل 1982: الفرقة الموسيقية التي جعلت كرة القدم فناً راقياً
في رحلته مع الصحافة، كان بنيس معلماً ومرشداً، يتعلم منه الكثيرون سر النجاح في هذا المجال، حيث تعلموا منه أصول المهنة وقيمتها. كان دائماً مثالاً للتواضع، يعلم الجميع أن النجاح يأتي من الحب لما نفعل، ومن المثابرة والإبداع.
أما في حياته الشخصية، فكان بنيس نموذجاً للرجل العائلي المحب. أقوى قرار اتخذه في حياته كان إعادة زوجته بعد طلاقها في لحظة غضب، ليعتذر لها ويبدأان معاً صفحة جديدة. بين أسرته وأصدقائه، كان يجد الهدوء في قراءة القرآن الكريم، ويعيش لحظات السعادة البسيطة بجانب البحر مع ديوان شعره.
أما حكاية حبه لكرة القدم، فقد كانت نتيجة حبٍ وشغفٍ كبيرين، حيث لعب في صغره وشبابه في نادي المغرب الرباطي. ويرى بنيس أن للكرة تأثيراً كبيراً على مستقبله، فقد عُيّن في القسم الثقافي لكنه سرعان ما انتقل إلى القسم الرياضي بسبب مقالٍ كتبه عن مباراة كرة قدم. رغم ذلك، يشعر بنيس ببعض الندم لأنه لم يصبح غنياً كما كان يتمنى، لكنه يؤكد أن الكرة تحولت إلى مهنة حقيقية له. كان بنيس متفوقاً في كل المواد باستثناء مواد الحفظ، وتخرج من المدرسة المحمدية في حي السويقة بالمدينة القديمة في الرباط. يعتبر القراءة مصدراً رئيسياً للمعرفة ويقدّر نفسه بنسبة 95 بالمئة في الثقافة العامة و99.99 بالمئة في ثقافة كرة القدم.
إقرأ أيضاً: كريستيانو رونالدو: أرقام نجم وأرباحه
ويرى بنيس أن الصحافة الرياضية تحتاج إلى مزيد من الاحترام للقراء ومنع الوصوليين والمتسلقين. يحب مشاهدة المباريات في الملعب لأنها تتيح له ملاحظة أدق التفاصيل التي قد لا تظهر عبر التلفزيون.
وبنيس معروف بآرائه القوية والمباشرة. يطرح أسئلة جريئة للمسؤولين الرياضيين والفنانين والمفكرين. يعتبر نفسه متحدثاً غير جيد لكنه كاتب متميز. يزعجه أن يتحول الواصف الرياضي إلى محلل، ويرى أن الصحافة الرياضية يجب أن تحترم القارئ وألا تنشر للوصوليين.
ويؤمن بنيس بأهمية التواضع وحب المهنة، ويتعلم من تجاربه وأخطائه. يعتبر أن التلاوة القرآنية تبعث في نفسه الهدوء، ويميل إلى الصدق والطيبة في تعاملاته.
وفي مسيرته، ترك بنيس بصمات لا تُنسى. من تأسيسه لجريدة "المنتخب" الرياضية في المغرب، إلى تحليلاته العميقة والمتميزة، كان دائماً رمزاً للإبداع والتفاني في العمل. رسالته كانت دائماً واحدة: الحب والشغف هما مفتاح النجاح.
إقرأ أيضاً: خالد الحربان: قصة الصوت الذي ألهب الملاعب
ولم يكن بنيس مجرد متابع عادي لكرة القدم السعودية، بل كان عاشقاً لنادي الهلال. بالنسبة له، الهلال لم يكن مجرد فريق، بل كان رمزاً للعراقة والإبداع. في كل مباراة للهلال، كان بنيس يعيش التفاصيل وينقلها بأسلوبه الراقي والمميز، مما أكسبه احترام وحب الجماهير السعودية.
محمد بنيس، الرجل الذي عاش لأجل الكلمة والرياضة، يظل رمزاً للإعلام الرياضي العربي. بإبداعه وتواضعه وحبه لمهنته، يظل لنا مصدر إلهام، وتظل ذكراه محفورة في قلوب محبيه. هو المعلم والصديق، الإعلامي الذي لم يعرف سوى الحب والشغف في مسيرته.
ولقد علمنا بنيس من خلال مسيرته أن النجاح لا يأتي إلا بالمثابرة والحب لما نفعل، وأن الإعلامي الحقيقي هو من يترك أثراً لا يُمحى في قلوب متابعيه.
آخر الكلمات
قال بنيس ذات يوم:
"الهلال كان يسكن في الوجدان وبات يسري في شراييني".
التعليقات