كانت زياراتي المتعددة إلى زنجبار بمثابة رحلة إلى عالم مختلف، عالم يختلط فيه التاريخ بالعصرية، والفرص بالتحديات، والشواطئ الجميلة بالنزاعات السياسية. هذه الجزيرة الساحرة التي تجذبك بروائح التوابل في أسواقها وتاريخها العريق لم تكن مجرد وجهة عابرة بالنسبة لي. لقد وجدت نفسي محاطاً بعمق ثقافتها وغنى تراثها، وفي قلبها كوّنت صداقة استثنائية مع الراحل المعلم سيف شريف حمد، النائب الأول لرئيس زنجبار ورئيس حزب التحالف من أجل التغيير والشفافية، أحد القيادات المهمة في تاريخ زنجبار، الذي أتاح لي نافذة خاصة لفهم أعمق لتلك الجزيرة المتناقضة.

المعلم شريف، الشخصية ذات الحكمة المتعمقة والجذور العريقة في المجتمع الزنجباري، لم يكن مجرد قائد تقليدي، بل كان مرشداً لي في فهم الحاضر المعقد لهذه الجزيرة المتشابكة بتاريخها. من خلال حديثنا المتكرر، أصبحت أكثر إدراكاً للتحديات السياسية التي تواجه زنجبار في علاقتها مع تنزانيا وعلاقتها مع الإقليم، وكيف يحاول القادة مثل شريف الموازنة بين الحفاظ على تراث الجزيرة واستقلاليتها وبين الانخراط في الدولة الأكبر التي انضمت إليها في منتصف القرن العشرين بعد أحداث دراماتيكية ماتزال معظم تفاصيلها تُروى بشكل متضارب مما أفقدها الكثير من تفاصيلها. خلال إحدى زياراتي، دعاني شريف لحضور اجتماع محلي مهم، حيث تبادلت القيادات الأفكار حول مستقبل زنجبار. كانت القضية الحاسمة التي تناقشها القيادة تتعلق بالتنمية الاقتصادية واستغلال الموارد المتاحة بطريقة مستدامة. ومن المثير للاهتمام أن شريف كان دائماً ينادي بتنويع الاقتصاد المحلي بعيداً عن الاعتماد الكلي على السياحة، حيث رأى أن زنجبار يجب أن تستغل إمكانياتها في الزراعة والصيد البحري والطاقة المتجددة.

أذكر بوضوح حين تحدث شريف عن السياحة قائلاً: لا يمكن لزنجبار أن تكون رهينة لجمال شواطئها فقط، فالسياحة قد تنهار في أي لحظة، نحن بحاجة إلى استغلال كامل مواردنا الطبيعية وتطوير صناعات جديدة تضمن لنا الاستدامة...

كانت هذه الرؤية تتسق مع ما كنت أشاهده بنفسي خلال زياراتي. فزنجبار، على الرغم من جمالها، كانت تعاني من تحديات كبيرة، من بينها البنية التحتية غير المكتملة واعتمادها الكبير على تدفق السياح.

لكن في المقابل، كانت هناك فرص هائلة. إحدى أهم الفرص التي ناقشناها كانت استغلال الغاز الطبيعي المكتشف حديثاً في سواحل زنجبار، وهو مورد قد يغير تماماً معادلة الاقتصاد المحلي. ومع ذلك، كانت هناك مخاوف حول كيفية إدارة هذه الثروة الجديدة بطريقة تحافظ على البيئة وتحمي التراث الطبيعي للجزيرة. شريف كان يرى أن إدارة الموارد يجب أن تتم بحذر شديد، وأن تكون تحت إشراف زنجباريين يفهمون احتياجات مجتمعهم أكثر من أي جهة خارجية.

إقرأ أيضاً: بوروندي: أرض الفقراء الغنية بالفرص الضائعة

من خلال زياراتي المتكررة، أدركت حجم الصعوبات التي تواجه القيادة في زنجبار. التوترات مع الحكومة المركزية في تنزانيا كانت واضحة، خاصة فيما يتعلق بالحكم الذاتي والتوزيع العادل للموارد. لكن شريف كان دائماً يؤمن أن الحل يكمن في الحوار والتعاون. كان يقول لي مراراً: نحن هنا جزء من تنزانيا، ولكن لنا هويتنا الخاصة، وهذا ما يجب أن نفهمه ونديره بحكمة. كانت رؤيته واضحة: الحفاظ على الخصوصية الثقافية والسياسية لزنجبار مع البقاء جزءاً من الكيان الأكبر.

بالإضافة إلى الجانب السياسي، كنت دائماً أدهش بعلاقات شريف القوية مع المجتمع المحلي. لقد كان يمثل حلقة وصل بين القيادة والمواطنين، وكان يعرف تفاصيل كل حي في زنجبار. كانت صداقتنا تتعمق مع مرور الوقت، وكان يحدثني عن التحديات الشخصية التي يواجهها كقائد في مجتمع يعيش بين التقاليد والحداثة. رأيت في شريف شخصية متجذرة في الماضي لكنها تنظر إلى المستقبل بعين حذرة وطموحة.

إقرأ أيضاً: جيبوتي: بوابة الاستقرار والتوازنات الاستراتيجية

خلال تلك الزيارات، شعرت أن زنجبار ليست فقط جزيرة ذات جمال طبيعي استثنائي، بل هي أيضاً مكان يواجه تحديات عميقة تحتاج إلى حلول جذرية. كانت علاقتي بشريف مصدر إلهام لي لفهم أعمق لهذه الجزيرة، ورأيت في صداقتنا رمزاً للتعاون والحوار الذي يجب أن يسود لتحقيق التنمية المستدامة.

إن زنجبار، بجميع فرصها وتحدياتها، تظل واحدة من أكثر الأماكن التي تركت في نفسي أثراً عميقاً، وفي كل زيارة، كنت أشعر بأنني أتعلم شيئاً جديداً، ليس فقط عن الجزيرة، بل عن العالم بأسره. ومن خلال عين شريف، استطعت أن أرى زنجبار كما لم يرها أحد من قبل: جزيرة تحمل في طياتها مزيجاً معقداً من التراث، التحدي، والأمل.