اكتشفت من خلال القراءة أن الثعلب من أكثر الحيوانات خداعًا ومكرًا، وصاحب اللون الأحمر من الثعالب الأكثر خطورة في الدهاء والمكر، وتخريب المزارع وتقتيل الدواجن والطيور. بيد أن القاسم المشترك في كل أنواعه (البري والقطبي والجبلي) تشترك في الصفات والطبائع؛ من حيث: المراوغة، والمكر، والخداع، والشراسة، فلا يُوجد بينها ثعلبٌ واحدٌ أليفٌ أو ودودٌ، أو لطيفٌ يستحق الرحمة أو التعامل معه بحسن ظن!
كل هذا هو حال (إسرائيل) في تعاملها مع العالم، ومع قضايا الدول كافة والأمة العربية على وجه الخصوص، فهذا الكيان مثل الثعلب الذي لا يعرف سوى سياسة المخادعة والمراوغة، فالسياسة لديه هي نفاق متشعِّب، ووجوه متعددة، شعارها المشترك هو: التدليس والزيف والرياء والكراهية مع الآخرين، المشحون بالمتناقضات السلوكية، والأفعال الهوجاء، فليس له عدالة ومواقف مشرفة، أو أخلاق حسنة، إلا بحدود مصالحها، وليس لها هدف إلا تحقيق حلم السيطرة والاحتلال، حتى ولو على حساب نفسها ومبادئها وقيمها.
وعندما تقرأ (بروتوكولات حكماء صهيون)؛ ستُصدم بالأساليب المُخيفة في تحقيق أحلامها وسيطرتها، خاصة عندما تلحظ اتساقها مع الأحداث والأفعال التي تجرى اليوم في (لبنان وغزة)، وفي علاقاتها الدولية، فهي أفكار كريهة مقيتة دونيَّة، تقوم على التمدُّد والتوسُّع دون وازع أخلاقي أو قانوني، فالحق (يكمن في القوة والعنف والإرهاب) والوصول إلى الهدف: (عدم الالتفات إلى ما هو خير وأخلاقي؛ وإنما إلى ما هو ضروري ومفيد لنا)!
رباط الكلام، ما يحدث اليوم من حرب ودمار في جبهات غزة ولبنان، ليس هو المشهد المنظور، وليس هو ما نشاهده ونسمعه في الإعلام، ليس ذلك هو الحقيقة! فهناك المخفي الذي يحمل في طيّاته حروبًا مخفيًّة أخرى، وخططًا سريَّةً لخرائطَ جديدة في المنطقة. فلا تُصدِّقوا ما تقوله أميركا في العلن، ولا تخدعكم البيانات الدولية الرحيمة (الكاذبة). إن ما يحدث هو خداع وتمويه لفعل (أكبر) مؤجل في المنطقة، وقليلٌ منها هو حرب نفسية، وترضيَةٌ لبعض الدول.
سأقول كلامًا بلغة البحث العلمي، وليس بحروف الصحافة، بأنني قمت منذ شهر بجمع (30) مادة من نصوص وتقارير لمراكز بحوث دولية، وخطب مسؤولين، وأخضعتها لمنهج تحليل المضمون، فاكتشفت الكثير من النتائج، بعضها واضحٌ للعيان، والأخرى مستترة بالأهداف والنوايا وغير خاضعة للحدْس البشري.
خرجت باستنتاجات عديدة؛ هناك أهداف مُعلنة، لكن الكثير منها مُضلِّلٌ حتى لأقرب أصدقاء (إسرائيل). أقوال علنية مبهرة؛ لكنها تحمل أطنانًا من بارود الكذب والخداع. وهناك سيناريوهات مهيئة للتنفيذ على مراحل، وهي أن يموت جميع (الأعداء)، لكن ضرورة بقاء بعضهم كورقة سياسية لابتزاز المنطقة سياسيًّا وماديًّا، واستمرار العمل على الأولويات الضرورية.
وهناك توريط لعملاء كُثْر، تم تجنيدهم تحت الترهيب والترغيب والابتزاز والإيقاع بهم بطريقة المكائد والتهديد من بوابة العوز المعيشي، أو التشهير من خلال أشرطة مرئية وبصمات صوتية غير أخلاقية، لنخب سياسية وعسكرية وأمنية وإعلامية لعبت دور (الدليل) في هذه الحرب.
غزة ولبنان: الأولوية الأولى في التغيير؛ الأولى ضمن الفقرات المسرَّبة، وما بين الأسطر، طرحت فقرات (الإنهاك) و(قطع الأيدي لمنع حمل السلاح) و(تسفير القادة) بالقتل أو بالمفاوضات؛ من أجل جعلها منطقةً خاضعة بالاسم إلى السلطة؛ لكنها ستكون تابعة لإسرائيل بعد أن فشلت مقترحات (الجيوش المحايدة) أو جيوش (الدول العربية المعتدلة) التي تدير غزة بعد الحرب.
أما لبنان، فإن الخطة هي: تغيير الخارطة السياسية اللبنانية الداخلية بملء الفراغ السياسي بالحسم العسكري، وتجريد (حزب الله) من السلاح، وإجباره على الانسحاب من جنوب نهر الليطاني، باتجاه إقامة منطقة عازلة، بعد تدمير قدراته وإمكاناته العسكرية، والإضرار ببيئته الشعبية، والاستمرار بعمليات الاغتيال المُمَنهجة، ضمن منطق الاغتيال (الجراحي والرمزي)؛ لإضعاف المعنويات، وإثارة الرعب النفسي.
إقرأ أيضاً: سيرتي في الصحراء
أما مناطق المقاومة في الدول العربية، فالتقارير المُسرَّبة تُشير إلى إنشاء بنك أهداف لمراكز الأسلحة المُستهدفة في العراق وسوريا واليمن، وتحديد أسماء بعض القيادات والشخصيات المشاركة في ضرب (إسرائيل)؛ فلا تغييرات سياسية كبرى ستحدث في هذه البلدان، كما يُشاع إعلاميًّا؛ لأن الخطة السريَّة (تدمير منصات الصواريخ، ومناطق إقلاعها، واغتيال بعض القادة)، وذلك استجابة للرغبة الأميركية ومصالحها وأجنداتها في هذه البلدان.
الاستنتاج الأخير من خلال التحليل العلمي للوثائق والتقارير؛ تجد التناقضات في الرغبات والتوجُّهات؛ لكن هناك ثوابتَ مشتركةً في تشكيل المنطقة من جديد، وتهيئتها لتقبُّل التطبيع مع (إسرائيل)، وربما توسيع حدودها إلى مساحة أكبر، خاصة إذا ما فاز الرئيس السابق دونالد ترامب المؤيد لهذه الفكرة، لكن الاختلاف هو في أسلوب التطبيق بسبب تناقضات المصالح وترتيب الأولويات بين (أميركا) و(إسرائيل). وهناك (التوريط) لإقحام أميركا في الحرب من جهة، وتوريط الآخرين بتصعيدها من جهة أخرى من أجل تبرير استمرار الحرب وتحقيق الأهداف السرية.
إقرأ أيضاً: صارت فلسطين قصة طائفيّة
أما الضربة لإيران فإنها قادمة ونوعية لكنها منتقاة في حدود المصالح الأميركية ورغباتها المؤجلة. وليس هناك (تغيير) كبير في المنطقة حسب الصورة الإعلامية المتداولة، وإنما (إعادة تموضع) بالمنطق العسكري لمواجهة التحديات، والتخلص من المخاطر المستقبلية لحزب الله في لبنان، وتدمير أهداف ذات قيمة عالية جداً لتقليص قوته القتالية والصاروخية. والأخطر ما بين الأسطر هو تثوير الفرقة بين الطبقة السياسية، وإشعال فتيل الحرب الأهلية في لبنان كهدف نهائي.
وبالرغم من ذلك، فإن الثعلب الإسرائيلي الأحمر الماكر، وفي ضوء ما حلَّلناه منهجيًّا واستنتجناه مما بين الأسطر، سيخرج من قاعدة الاتفاق الثنائي بدهائه ومكره؛ وسيُظهر أنه قوي وشرير، وأحيانًا أخرى سيدَّعي أنه مظلوم، مستغلاً الوقت الضائع للانتخابات الأميركية.
إقرأ أيضاً: يورانيوم الإعلام
سيفتعل الأحداث ويضخمها؛ لكي يصل إلى شواطئ لبنان وشوارعها، وربما أيضًا يجد مبرِّرًا لضرب المفاعل النووي. ومع ذلك هناك احتمالات قوية أن تنطفئ نيران الحرب بسرعة دراماتيكية غير متوقعة، وينتهي كل شيء و(يتصافح القادة وتبقى تلك العجوز تنتظر ولدها الشهيد) كما يقول محمود درويش.
الفرصة الأخيرة للثعلب الإسرائيلي هو استثمار البارود لبقائه حيّاً يتنفس الأوكسجين الطبيعي دون الأجهزة الاصطناعية. فالحرب نعمة لنتنياهو، والسلام نقمة عليه! ولديه خطة في عقله، وهي أكبر من أكل (البطة). فاحذروه إنه الغدار، وإنه المكار!
التعليقات