موزمبيق، الدولة الواقعة على الساحل الشرقي لأفريقيا والمطلة على المحيط الهندي، تبرز اليوم كإحدى الدول الأفريقية الواعدة في المجالين الاقتصادي والسياسي. بالرغم من تاريخها المضطرب الذي شهد سنوات من الحرب الأهلية والفقر، فإنَّ موزمبيق تبدو وكأنها قد استعادت توازنها بفضل اكتشافات ضخمة للغاز الطبيعي، ومواردها الطبيعية الأخرى التي تشكل ركيزة لمستقبل اقتصادي مشرق. وتكمن أهمية موزمبيق اليوم في كونها "كلمة سر" التنمية الاقتصادية والاستراتيجية لأفريقيا، بفضل موقعها الاستراتيجي ومواردها الغنية.
في بداية القرن الحادي والعشرين، كانت موزمبيق لا تزال تعاني من آثار الحرب الأهلية التي انتهت في عام 1992 بعد ما يقرب من 16 عاماً من الصراع. هذه الحرب أنهكت البلاد، ودفعتها إلى حافة الانهيار الاقتصادي. ومع ذلك، وبفضل الإصلاحات الاقتصادية والدعم الدولي، شهدت البلاد تحسناً ملحوظاً على مدى العقدين الماضيين. منذ عام 2000، حققت موزمبيق معدلات نمو اقتصادي تجاوزت في بعض السنوات سبعة بالمئة، مما جعلها واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في أفريقيا.
أحد أبرز عوامل التحول الاقتصادي في موزمبيق هو اكتشاف احتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي في حوض "روفوما" شمال البلاد. يُقدر حجم احتياطي الغاز المكتشف بنحو 100 تريليون قدم مكعب، مما يضع موزمبيق في مصاف أكبر الدول المصدرة للغاز الطبيعي في المستقبل. من المتوقع أن تكون صادرات الغاز الطبيعي المسال من موزمبيق واحدة من العوامل الرئيسية التي تدفع بالنمو الاقتصادي في العقود القادمة. وفقاً للتقديرات، قد تصل عائدات هذه الصادرات إلى 60 مليار دولار على مدار 30 عاماً، مما سيؤدي إلى مضاعفة حجم الاقتصاد الموزمبيقي وتحويل البلاد إلى مركز للطاقة في شرق وجنوب أفريقيا.
الشركات العالمية الكبرى لم تتأخر في الدخول إلى هذا السوق الواعد. شركات مثل إيني الإيطالية، وتوتال الفرنسية، وإكسون موبيل الأميركية، استثمرت مليارات الدولارات في تطوير مشاريع الغاز الطبيعي في موزمبيق. مشروع توتال للغاز المسال يُعد من أكبر الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تاريخ البلاد، حيث بلغت قيمة المشروع حوالى 20 مليار دولار.
إلى جانب الغاز الطبيعي، تمتلك موزمبيق احتياطيات ضخمة من الفحم والمعادن الصناعية مثل الألومنيوم والزركون. حوض "تيتي" شمال البلاد يحتوي على واحد من أكبر احتياطيات الفحم غير المستغلة في العالم، ويجذب استثمارات كبيرة من الشركات الدولية لتطوير عمليات التعدين. في عام 2019، بلغت صادرات الفحم حوالى 1.7 مليار دولار، وكانت أحد المصادر الرئيسية للنقد الأجنبي.
قطاع الزراعة في موزمبيق يمثل ركيزة اقتصادية مهمة أخرى. نحو 80 بالمئة من سكان البلاد يعتمدون على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل، والزراعة تساهم بحوالي 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. الأراضي الزراعية الخصبة والمتنوعة تجعل من موزمبيق منتجاً رئيسياً للمحاصيل الزراعية مثل القطن، وقصب السكر، والكاجو، والشاي. ومع التحسينات في البنية التحتية الزراعية وزيادة الاستثمارات، من المتوقع أن يتوسع هذا القطاع في المستقبل ليصبح أكثر قدرة على المنافسة على الصعيد الدولي.
سياسياً، تعيش موزمبيق مرحلة انتقالية معقدة. على الرغم من تحقيق تقدم ملحوظ على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، لا تزال هناك تحديات كبيرة تهدد الاستقرار والتنمية المستدامة. في عام 2019، شهدت موزمبيق انتخابات عامة أعادت انتخاب الرئيس فيليبي نيوسي لولاية جديدة، إلا أن التوترات مع المعارضة، خاصة "حركة رينامو" التي كانت طرفاً في الحرب الأهلية، لا تزال تشكل تحدياً للاستقرار السياسي.
من جهة أخرى، تواجه موزمبيق تهديدات أمنية متزايدة من الجماعات المسلحة التي تنشط في شمال البلاد، خاصة في إقليم "كابو ديلغادو" حيث تتركز معظم مشاريع الغاز الطبيعي. هجمات هذه الجماعات، التي تربط بعضها بتنظيمات إرهابية دولية، تسببت في نزوح مئات الآلاف من السكان وتعطيل بعض مشاريع الاستثمار. في عام 2021، اضطرت شركة توتال إلى تعليق مشروعها الضخم للغاز الطبيعي المسال بسبب الهجمات المسلحة في المنطقة.
إقرأ أيضاً: اليورانيوم: الكنز المدفون في صحراء النيجر
بالرغم من هذه التحديات، تبقى موزمبيق جاذبة للاستثمارات الدولية. يشير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى أن البلاد لديها إمكانيات هائلة لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة إذا تمكنت من تحقيق الاستقرار السياسي ومعالجة التهديدات الأمنية. بالإضافة إلى ذلك، فإن تعزيز الحكم الرشيد ومكافحة الفساد، الذي لا يزال يمثل مشكلة كبيرة في البلاد، سيعزز من قدرة الحكومة على استغلال ثرواتها الطبيعية بشكل أكثر فاعلية.
من المتوقع أن يصل الناتج المحلي الإجمالي لموزمبيق إلى 15.4 مليار دولار بحلول عام 2025، مدفوعاً بشكل رئيسي بصادرات الغاز الطبيعي والنمو في قطاعي التعدين والزراعة. ومع النمو المتوقع في الناتج المحلي الإجمالي، من المتوقع أيضاً أن تتحسن مستويات المعيشة في البلاد. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو ضمان توزيع عادل للعائدات بين السكان ومحاربة الفقر الذي لا يزال يؤثر على جزء كبير من المجتمع.
إقرأ أيضاً: بوروندي: أرض الفقراء الغنية بالفرص الضائعة
باختصار، تمثل موزمبيق اليوم إحدى أهم الدول الأفريقية الواعدة اقتصادياً، وقد يكون لها دور محوري في إعادة تشكيل خريطة الاقتصاد الأفريقي في المستقبل. بفضل مواردها الطبيعية الهائلة وموقعها الجغرافي الاستراتيجي، يمكن لموزمبيق أن تكون فعلاً كلمة السر في التحول الاقتصادي لأفريقيا. ولكن من أجل تحقيق هذه الإمكانيات، يتعين على البلاد مواجهة التحديات السياسية والأمنية بحزم، وضمان أن تستفيد جميع فئات الشعب من الثروة الوطنية المتزايدة.
التعليقات