يبدو من باب الاستقصاء والتحليل والمقارنات للأدبيات الغربية، حول موضوع السيطرة على الشعوب، وبالأخص العربية، أنها خرجت من معطفٍ واحد، وهو الفكر الصهيوني المرتكز على فكرة (بروتوكولات حكماء صهيون)؛ وهو فكر مصاب بعقدة النقص، وجنون العظمة والاستعلاء، وحب السيطرة وإيذاء الآخرين، والكذب والتلاعُب، حيث الاستدلال بالدوغمائية الخرافية لتبرير أفعال السيطرة والقتل والاحتلال.

ومَن يراجع (بروتوكولات حكماء صهيون)؛ ستبرز له الرباعية المقدسة لاحتلال الآخر وهي: الاقتصاد، والإعلام، والقوة، وهدم القيَم، وسيجد هذه الخلطة جاهزة في أفعال الميدان؛ السيطرة على الاقتصاد والبنوك وحركة المال، وإفلاس الآخرين، وإغراق الدول في الديون والقروض حتى يكونوا لهم عبيداً بإرادتهم.

وهناك فن التحكم بالعقول، وغسل أدمغة البشر، عن طريق السيطرة على التعليم ووسائل الإعلام؛ بهدف (توسيع نفوذنا بشرط البقاء في الظل-البروتوكول الثاني)؛ ذلك لأن: (الأدب والإعلام هما أعظم قوتين إعلاميتين وتعليميتين، ويجب أن تكونا تحت سيطرتنا، وأن نكون قادرين على إثارة الشغب عندما نريد، وتهدئته عندما نريد-البروتوكل الثالث).

والأبرز، هو استراتيجية السيطرة على العالم التي لا تأتي إلا بالقوة المُفرطة، ودون قلبٍ يرحَم وهو ما نراه في غزة ولبنان الآن؛ حيث (الحق يكمُن في القوة)، بالتزامن مع نشر الفوضى والثورات والحروب: "خير النتائج في حكم العالم ما يُنتزع بالعنف والإرهاب... وألا نلتفِت إلى ما هو خيرٌ وأخلاقيٌّ بقدر ما نلتفت إلى ما هو ضروريٌّ ومفيد... وسنختار من بين العامة رؤساءَ ممن لهم ميولُ العبيد".

وأخيراً -وليس آخراً-: تخريب قيَم المجتمعات، ونزعُ هُويتها الوطنية، وهدم الأسرة، وإفساد التعليم، وتغييب وعيِ الجماهير، ونشر الانحلال والفساد الخلقي والمخدرات والإلحاد؛ لجعل القيَم الاجتماعية عائمةً في بحر اليأس والفوضى والضياع.

لم تكن أفكار (نعوم تشومسكي) واستراتيجياته العشر بخداعها، لتحكم الإعلام في الشعوب؛ إلا تجسيداً لمعاني البروتوكولات التي احتوتها الرسائل الإعلامية المبنيَّة على الخداع والتضليل. فالرجل، بذكائه وخبرته، استطاع أن ينبشَ البروتوكولات، ويكشفَ أسرارَها الخفيةَ وخطورتها بين الأسطر!

والقصة الأخرى، تبدأ من (استراتيجية الإلهاء)؛ حيث يبدأ الإعلام بتنشئة الأجيال على اللامبالاة والتسيُّب، وإبعادِهم عن الاهتمام بالموضوعات العلمية، والمشكلات الاجتماعية الحقيقية، وإشغالهم بالمعلومات التافهة، وقتل الحس النقدي لديهم.

ولتحقيق الهدف؛ لا بد من أن يكون الخطاب الإعلامي خطاباً (طفوليّاً يقترب من مستوى التخلُّف الذهني، وكأن المشاهدَ طفلٌ صغير أو معوّقٌ ذِهنيّا)، من خلال استثارة الجانب العاطفي لتعطيل التّحليل المنطقي، وبالتالي الحسّ النقدي للأشخاص؛ لضمان زرع الأفكار التي تريدها، وخلق الثقافة التي تُشجِّع الشّعبَ على أن يجد أنّه من (الرّائع أن يكون غبيّاً، همجيّاً وجاهلاً)!

إقرأ أيضاً: ألم وأمل

والأهم بناء (استراتيجية افتعال الأزمات والمشكلات)، وصناعة الفوضى، وجعل الإعلام (كوسيلة) أداةَ تفعيل وتضخيم لتمرير ما تُريده -دون معارضة-، من خلال استغلال الفرصة، واللجوء إلى القرارات المكروهة المؤجّلة؛ لإكسابها القبول، حيث يتم تقديمها كدواء (مؤلم؛ ولكنّه ضروري)!

ومن أجل ذلك، جعل المُتلقِّي في حالة جهل وحماقة، وغير قادر على استيعاب العلم؛ من أجل التحكّم به واستعباده، وجَعْل نوعيّة التّعليم المقدّم تافهاً وتقليديّاً، لكي يستحسن الرّداءة، وجعله (يظنّ أنّه المسؤول الوحيد عن تعاسته، وأن سبب مسؤوليّته تلك هي نقصٌ في ذكائه وقدراته أو مجهوداته، وهو ما يولّد -بالتالي-دولة اكتئابيه يكون أحد آثارها الانغلاق وتعطيل التحرّك).

إقرأ أيضاً: في بيتنا الذكاء الاصطناعي

بالمختصر المفيد، أسهم هذا الإعلام، المبرمج على الفكر الصهيوني، في تأسيس الخراب؛ خراب الدول، وهدم المجتمع والأسرة، وإسقاط الأخلاق، وهلهلة النظام الاجتماعي، وقتل الهوية والولاء الوطني، وإفساد التعليم والعلم، ونشر ثقافة الجن والعفاريت، والخرافات والشعوذة. وعشّق الماضي، حيث دعوة الأمواتَ للعيش بيننا للتبرُّك بهم، والقبول بالمقسوم من فُتاتِ اللصوص.

وبعد أن يقوم بغسل العقول، يجعلنا طوائفَ وقومياتٍ تتقاتل بالمُدَى والبارود، فتنتهي ثوابت الوطنية، والقضايا المشتركة، وتصبح قضية الانتماء للطائفة هي معيار البطولة. فيصبح لبنان شيعياً وسنياً، وليس الوطن والأرض. فيقتله نتنياهو، وتقتله الطوائف المتناحرة بالشماتة والمواقف. وهكذا هو حال غزة أيضاً التي اجتمعت عليها أمراض الأحزاب ومصالحها، فُتقتل من القريب قبل الغريب! وهنا تبدأ نتائج يورانيوم الإعلام؛ قتل الوطنية، وموت ذاكرة الوطن، وانكسار توهج الحياة، وتبلد العقول، وتعفن الضمير؛ أحياء في مدافن الأموات!