سوريا إلى أين؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سؤال مطروح في ذهن كل متابع للمشهد السوري؛ والإجابات مختلفة، لأن البعض يخلط الآمال بالواقع ويسعى لربط بعض المشاهد والتصريحات بما يتطلع إليه. ويغلب على البعض أحيانًا حسن الظن بالغرب والشرق، وينسى أنَّ لكل قوة مطامع. لكنَّ المشكلة الأكبر اليوم، ولا أرى أحدًا يتحدث عنها، هي أنَّ اللاعب الحقيقي في المشهد السوري خفي.
ما نراه أمامنا هو مجموعات مسلحة تجوب الشوارع وتنتقل من مدينة إلى أخرى دون مقاومة حقيقية تعكس قوة نظام بشار وتاريخه الدموي الطويل.
الدولة العميقة في سوريا بالتأكيد تنتظر الفرصة لتمارس دورها وتحرك أدواتها. والجيش السوري العريق وكل مؤسسات الدولة الأمنية الشرسة اختفت وسط المدنيين، وأهازيج الاحتفالات بالنصر بفرار بشار الأسد.
إذا توقفنا هنا لنسأل سؤالًا مهمًا عمن يقف وراء تحرك هذه الجماعة المسلحة التي غيرت المشهد السوري في أقل من أسبوعين، وأزاحت نظامًا عسكريًا قمعيًا يحكم بالحديد والنار طوال أكثر من نصف قرن، فهو لا شك سؤال مطروح لمعادلة صعبة. والسؤال يتفرع إلى: من أجبر الروس على تغيير موقفهم ورفعهم الغطاء عن نظام بشار الأسد؟ أو بلغة أفضل، ما الثمن الذي قبضه الكرملين ومن دفعه؟ ومن أجبر الإيرانيين على سحب آلاف العناصر المسلحة من سوريا؟ ومن أجبر عناصر حزب الله اللبناني، وعناصر الحشد العراقي على الفرار؟ ومن أوقف الجيش السوري عن عملياته وسحبه من مواقع تمركزه حتى على الحدود؟ ومن أوقف القوات الخاصة والأمنية وجعلها تنسحب؟
بالتأكيد ليس بشار الأسد ومن حوله فعل ذلك! ولم يكن هناك انقلاب داخلي، وكأن ذلك كله تم بضغطة زر أو جزء من فيلم على قناة مفتوحة. عندما يتأمل القارئ هذه الأسئلة، ليس المهم الإجابات عليها ولكن المهم أن ندرك أنَّ المعارضة السورية بكل احترام لنضالها ودماء جنودها وإصرارها لم تكن تستطيع أن تتقدم شبرًا واحدًا لولا تلك اليد الخفية التي مولت بالمال والسلاح ورسمت خطط التحرك العسكري، ثم أزاحت كل الأرتال العسكرية والجنود وأوقفت الطائرات الروسية والسورية والمسيرات الإيرانية، لتتقدم هيئة تحرير الشام بسرعة كبيرة بين القرى والمدن في نزهة عسكرية، وهي تردد الله أكبر معلنة النصر المبين.
إقرأ أيضاً: تباين الآراء
ليس ما تقدم انتقاصًا من الدور الكبير لقوة المعارضة والتضحيات، ولكن الحقيقة تقول إنَّ نظام بشار كان أقوى بالجيش السوري، وبدعم جوي وعسكري روسي، وبدعم ميداني إيراني وميليشياته العراقية واللبنانية من قوة المعارضة السورية عدةً وعتادًا.
عندما يهدأ القارئ، له أن يسأل: من رسم هذا المشهد لسوريا؟ ربما نستطيع سويًا أن نقرأ مستقبل سوريا بشكل أفضل. ولأننا جميعًا لا نعلم الغيب، فلنا أن نعيد قراءة الأحداث فالبعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير.
نبدأ بقراءة سلوك وتصريحات إسرائيل، فهي تتحرك وتتحدث وفق ما تعلمه، وما يعلمه اليهود ومن خلفهم الصهاينة كثير.
لقد تقدمت إسرائيل لتحتل شريطًا كبيرًا بالأراضي السورية، وابتلعت الجولان والقنيطرة، وهي تقيم ترسانتها لبقاء دائم.
إقرأ أيضاً: الجديد في سوريا
المتابع للواقع الدولي والسوري بات يأمل أن تتوقف الدبابات الإسرائيلية عن التحرك شمالًا وشرقًا ولسان حاله يقول وفيه غصة: حلال عليكم ما اقتطعتموه، لأنه لا تلوح في الأفق أي بارقة لردع إسرائيل وثنيها من لدن المجتمع الدولي. وبطن إسرائيل أوسع مما نظن.
الاحتمالات لتصعيد هذا التواجد كبيرة، منها صنع جيب موالٍ لها يمكنه أن يساهم في تقسيم سوريا.
جميعنا ندرك أنَّ ما تريده إسرائيل هو ما يريده الغرب. وما تسعى له تسارع القوى الغربية لتسهيله أو تحقيقه.
من مصلحة إسرائيل أن تبقى سوريا أرضًا رخوة لا تقوم على نظام قوي أو تعيش حالة من التمزق السياسي، مما يسمح لإسرائيل ومن ورائها أميركا وبريطانيا وفرنسا بتمرير مشاريعهم على نار هادئة.
إقرأ أيضاً: ماذا نستفيد من التطبيع؟
مغازلة هيئة تحرير الشام برفع اسمها من قائمة الإرهاب لا يمكن فهم ثمنه سوى بفهم عبارة مراقبة سلوكها وتقديمها حسن النوايا. والتفسير لذلك هو السكوت عن الحراك الإسرائيلي العسكري والمخابراتي بالمنطقة. وربما السكوت عن أمور أخرى، وإزاحة المظهر الإسلامي للنظام القادم لسوريا، وهو ما رأيناه في تعيين رجل دين مسيحي محافظًا لحلب.
سيناريوهات المشهد في سوريا يرسمها المنتصرون. فمن هي الدولة الراعية للنصر في سوريا؟
سؤال يتكرر ويفرض نفسه عندما نحاول أن نقرأ ونفهم الواقع والمستقبل لسوريا.