ما يحدث في سوريا اليوم ليس صدفة. بعد سنوات من الهدوء الذي كان يأمل معه المتفائلون بأن سوريا تجاوزت سنوات الألم والشقاق، نرى بوصلة الأحداث تعود دون سابق إنذار إلى حلب، إحدى أهم المناطق الحيوية في سوريا ذات البعد الإقليمي والعقدي والتاريخي.
المعارضة كانت نائمة، وكان هناك تقييد على الدعم المالي والعسكري، والدول التي كانت تعلن صراحة دعمها للمعارضة تراجعت في خطابها الدبلوماسي.
هذه المشاهد الجديدة لا يمكن فهمها على أنها حدثت في غفلة من أجهزة النظام في دمشق. كل التقارير تشير إلى انسحاب القوات السورية، والأقرب لفهم الأحداث أن هذا التحرك المسلح يتماهى مع مشاريع الغرب نحو إحداث المزيد من الفوضى وإنهاك المنطقة، وإشغال الشرق الأوسط حتى لا يكون قادراً على أي تحرك فيما لو انشغلت القوى الكبرى في مواجهات عالمية أو حتى نووية، وتبقى إسرائيل قادرة على حماية نفسها بما تمتلكه من قوة وبما تعيشه المنطقة من أوضاع غير مترابطة، مع غياب للمشاريع السياسية الطويلة في بعض الدول.
ومهما كانت القراءات للمشهد أكثر قتامة، تأتي من باب النظر للواقع من أكثر من زاوية لفهم أعمق وقراءة متأنية.
ويمكننا الآن أن نسأل أنفسنا:
متى تحركت المعارضة ومن يمولها؟
من أعطى الضوء الأخضر لتلك المجامع المسلحة للتحرك من جديد؟
ولماذا الآن؟
الهدف من طرح الأسئلة هو أن نتأمل المشهد من كل الاتجاهات. وستقودنا الإجابات إلى المستفيد الأول من تحرك المعارضة السورية والمتضرر منها.
وقد نقرأ أن الخاسر من هذا التغيير في خارطة الأحداث في سوريا هو تحالف نظام بشار الأسد وحزب الله والحرس الثوري الإيراني. وإن كانت هذه خطوة محمودة للبعض، لكنها لا تخرج عن كونها استكمالاً للمشروع الغربي الأخير نحو تقليم الأخطبوط الإيراني المسلح. هذا المشروع بدأته إسرائيل بدعم غربي صريح لتحييد حزب الله في لبنان، ونرى في التحرك في سوريا أنه قد أُعطيت المهمة لتقليم الوجود الإيراني في سوريا إلى المعارضة، بعد أن فشل بشار في إخراج الإيرانيين من بلاده بالطريقة التي يريدها الغرب.
إقرأ أيضاً: هل تنتصر العدالة؟
إنَّ خلط الأوراق في سوريا مهم لتحقيق تلك المشاريع المترابطة. وسيخرج الإيرانيون وحزب الله، حسب ما هو مخطط له، ويمكن بعدها تشكيل وفاق سياسي يتماشى مع الخريطة السياسية المرسومة مستقبلاً للشرق الأوسط.
وما سيحدث في سوريا سيحدث في العراق واليمن، مع اختلافات جوهرية في طبيعة الأنظمة الحاكمة والدور الذي تلعبه. الوجود الإيراني في الدول العربية أربك بعض الأنظمة السياسية فيها منذ وقت طويل. وإيران مشروع غربي على الطرف الشرقي من الشرق الأوسط، وإسرائيل على طرفه الغربي، وتركيا مشروعها على الطرف الشمالي. وقد قامت إيران بدورها وتركت المنطقة ساحة للتدخل الغربي بكل أطيافه ومشاريعه.
إقرأ أيضاً: ما بين قتيل وشهيد!
التغييرات المتلاحقة لها أبعادها، وكل الدول المهتمة تراقب وتسعى للاستفادة من هذا الحراك السياسي والمسلح.
ومهما كانت تلك الدول الغربية تقوم بكل قوتها لفرض هيمنتها ومشاريعها، ستبقى العقول الواعية والمدركة والدول العربية الثابتة واحة استقرار وثبات وركيزة للأمل بغد مشرق.
التعليقات