أين نحن مما يحدث اليوم على أرض سوريا؟ هذا السؤال يختصر حكاية شعبٍ شاهد وطنه يتحول إلى ساحة صراع وكعكة تتنافس على فتاتها أطراف متعددة، بعضها مدعياً التحرير، والآخر جاهراً بالاحتلال. أرضٌ كانت مهد الحضارات، ومعبراً للتاريخ، ومصدراً للهوية والثقافة، لكنها اليوم باتت مرادفاً للدمار والرعب والخذلان.
سوريا التي كانت يوماً رمزاً للجمال والتاريخ، أضحت مسرحاً لحروبٍ لا تنتهي وحكايات موتٍ تتكرر كل يوم. أطفالٌ كانوا زهرات المستقبل، خطفتهم الحروب كمن يخطف فرحة من حضن أمٍ، تاركين وراءهم عائلات تتجرع الألم كل لحظة. مشهد الموت صار مألوفاً، حتى أن السوريين، بغالبيتهم، باتوا يعيشون مع هذا المصير بصدرٍ عارٍ، وكأنهم في سباق دائم مع القدر.
تمر الأيام، لكنها لا تحمل معها سوى المزيد من الألم. تساؤلات تطرق الأذهان بلا هوادة، تبحث عن أجوبة لا تأتي. كيف نعيد بناء وطنٍ دمرته أيدٍ داخلية وخارجية؟ كيف نعيد المهجرين والنازحين إلى بيوتهم، إلى ذكرياتهم، إلى حياتهم التي لم تعد موجودة؟
مصير النازحين والمهجرين ليس مجرد أرقامٍ تُعرض على الشاشات أو ملفاتٍ تُناقش في مؤتمرات دولية. هو مصير ملايين الأرواح التي تعيش على هامش الحياة، في مخيماتٍ تفتقر إلى أدنى مقومات الكرامة، أو في دولٍ استقبلتهم ولكنها وضعتهم في خانة اللاجئين المنسيين.
من بقي داخل سوريا، لم يكن حاله أفضل ممن غادرها. هم الأكثر عرضة للخطر، والأكثر تحملاً للمآسي اليومية. يومياتهم مليئة بالخوف من القتل، الاختفاء القسري، السجن، أو حتى الجوع.
معاناة السوريين ليست مجرد أرقامٍ تُحصى أو أخبارٍ تُتناقل؛ إنها وجعٌ يوميٌ يعيشه ملايين الناس الذين ضاقت بهم الحياة وأغلقت في وجوههم جميع الأبواب. ورغم كل ذلك، تجدهم صامدين، يقاومون البؤس بالأمل، ويعيشون على حلم العودة إلى حياة كريمة، حياة تستحق أن تُعاش.
إقرأ أيضاً: مواهب عربية تتوهج في الملاعب الأوروبية
المأساة السورية ليست مجرد نتيجة للحرب والدمار، بل هي انعكاسٌ لسنواتٍ طويلة من التهميش والفساد. إدارة حاكمة استباحت الوطن، واعتبرت الشعب مجرد أداةٍ لخدمة مصالحها. هذه الإدارة لم تقدم للمواطن السوري سوى الفتات، وحتى هذا الفتات كان يتبخر في دهاليز الفساد والمحسوبيات.
المواطن السوري، الذي حلم يوماً بوطنٍ عادل، وجد نفسه في مواجهة واقعٍ مظلم، حيث كل محاولةٍ للمطالبة بحقوقه تقابل بالقمع أو التهديد بالموت أو السجن. هذا الواقع جعل من الكرامة حلماً بعيد المنال، ومن العدالة شعاراً لا معنى له في ظل نظامٍ لا يعرف سوى لغة القمع والإذلال.
رغم كل هذه المآسي، لا يزال السوريون يبحثون عن مخرجٍ من عنق الزجاجة. يحلمون بحياةٍ كريمة مليئة بالحب والمصداقية، يحلمون بوطنٍ يحتضنهم بدلاً من أن يطردهم.
إقرأ أيضاً: سوريا التي تنعم بالفساد!
هذا الأمل، رغم بساطته، يبدو بعيد المنال في ظل واقعٍ يزداد تعقيداً. القوى الدولية تتصارع على المصالح، والإدارة الداخلية عاجزة أو غير راغبة في تقديم حلولٍ حقيقية. ومع ذلك، يبقى الأمل شعلةً تتقد في قلوب السوريين الذين يرفضون الاستسلام، ويؤمنون بأن غداً أفضل قد يأتي، مهما تأخر.
الكرامة ليست مجرد كلمة، بل هي حقٌ أصيل لكل إنسان، والسوريون اليوم في أمس الحاجة إلى استعادتها. هذه الاستعادة تبدأ بإيجاد حلولٍ حقيقية لمشاكل المهجرين والنازحين، وبتقديم العدالة للضحايا، وبإعادة بناء وطنٍ قائم على أسس العدل والمساواة.
لكنَّ هذه الحلول لن تأتي من الخارج وحده، بل تتطلب إرادة داخلية حقيقية، إرادة تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. إنها تتطلب تغييراً جذرياً في طريقة التفكير، وفي طريقة إدارة الدولة، وفي طريقة التعامل مع المواطن.
إقرأ أيضاً: الشباب.. عناوين تزدان بالفشل!
سوريا، التي كانت يوماً رمزاً للحضارة والتاريخ، يمكن أن تعود إلى مكانتها إذا تضافرت الجهود، وإذا أُعطي الشعب فرصة حقيقية لبناء وطنه من جديد.
هذا الطريق ليس سهلاً، لكنه ليس مستحيلاً أيضاً. فكما علّمنا التاريخ، الشعوب التي تنبض بالحياة، مثل الشعب السوري، لا تموت. قد تمر بأزماتٍ خانقة، لكنها تنهض من جديد، لتبني حاضرًا أفضل، ولتصنع مستقبلاً يستحق أن يُعاش.
سوريا اليوم في حاجة إلى من يؤمن بها، إلى من يعمل من أجلها، إلى من يعيد لها مجدها، وأهم من ذلك، إلى من يعيد لشعبها كرامته المهدورة.
التعليقات