في ظل التوترات الإقليمية والدولية، يشهد النظام الإيراني واحدة من أشد أزماته بعد صدور قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية. القرار لم يقتصر على الإدانة، بل أعطى إيران مهلة زمنية لإظهار التزامها بمعايير الشفافية، ما أثار القلق داخل النظام بشأن احتمالية تفعيل "آلية الماشية"، التي قد تعيد جميع العقوبات الدولية المعلقة ضمن الاتفاق النووي. عواقب هذا السيناريو تهدد بتصنيف إيران كتهديد للأمن الدولي، مما يفتح المجال أمام عقوبات إضافية وربما تدخل عسكري.

من الجدير بالذكر أن نظام ولاية الفقيه، لضمان بقائه وتوسيع نفوذه في دول المنطقة، وضع العقيدة النووية سرًا ضمن أجندته. إلا أن المقاومة الإيرانية، بمساعدة عناصرها داخل البلاد، تمكنت من الوصول إلى معلومات شديدة السرية للنظام وكشفت عنها. وقد اعترف مسؤولون مختلفون في النظام وعلى مستويات عليا مرارًا بأنه لولا قيام مجاهدي خلق بكشف برنامجنا النووي، لكان بإمكاننا امتلاك السلاح النووي، ولم تكن الدول الغربية قادرة على فرض هذا الكم من الضغوط والعقوبات علينا.

في الرابع عشر من آب (أغسطس) عام 2002، كشف عليرضا جعفرزاده، نائب مكتب المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في الولايات المتحدة، عن المنشآت النووية في نطنز وأراك، وأعلن أن النظام الإيراني قد أنشأ منشآت لتخصيب اليورانيوم ومفاعلًا للماء الثقيل في هذه المواقع.

بعد ذلك، نشرت المواقع والوسائل الإعلامية التابعة للنظام مرارًا هذه العبارة بصورة نمطية: "ما تم الكشف عنه كان برنامج التخصيب والمواقع السرية في نطنز وأصفهان وأراك؛ منشآت لتخصيب اليورانيوم ومفاعل ماء ثقيل. وقد نشرت منظمة مجاهدي خلق هذه الوثائق".

بعد صدور قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد نظام إيران، كتبت أمانة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، نقلاً عن مريم رجوي، في بيان بتاريخ 21 تشرين الثاني (نوفمبر):

"…على مدى العقود الثلاثة الماضية، واصل نظام الملالي مشروع إنتاج قنبلة ذرية من خلال السرية والخداع والأكاذيب، وفرض حتى الآن أكثر من 2000 مليار دولار على الشعب الإيراني بسبب هذا المشروع المناهض للبلاد. منذ مرور 33 عاماً على كشف المقاومة الإيرانية عن البرنامج النووي للنظام، وخاصة بعد 22 عاماً من الكشف عن المركزين الرئيسيين في نطنز وآراك، لم يتخل النظام عن أي من مشاريعه النووية غير القانونية. ولم تبلغ الوكالة طواعية…".

النظام الإيراني بقيادة علي خامنئي يعتمد سياسة مزدوجة للتعامل مع الأزمة الحالية. من جهة، تصاعدت التهديدات النووية عبر تصريحات مسؤولين بارزين، ومن جهة أخرى أطلق النظام إشارات متكررة إلى استعداده للتفاوض.

في مشهد مكرر، لجأ النظام إلى خطاب التحدي. أعلن كمالوندی، نائب رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، أن إيران بدأت بإطلاق آلاف أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم. هدد عزیزی، رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، بالخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، وهي خطوة تُعتبر تصعيدًا كبيرًا. إمام صلاة الجمعة في قم، أحد أبرز رجال الدين، وصف الأسلحة النووية بأنها “مصدر للأمان”.

رغم هذا التصعيد، يرى المراقبون أن هذه التهديدات ليست سوى استعراضات دعائية تهدف إلى إظهار القوة الداخلية والخارجية، لكنها في الواقع تعكس مأزق النظام.

على النقيض من الخطاب العدائي، يسعى بعض مسؤولي النظام إلى فتح قنوات دبلوماسية جديدة. دعا علي لاريجاني، مستشار خامنئي، إلى التفاوض، قائلاً: "الاتفاق النووي ليس وحيًا، ويمكننا مناقشة صفقة جديدة". أشارت تقارير محلية إلى تحركات لاريجاني إلى جانب عباس عراقجي للدفع باتجاه مفاوضات جديدة مع الغرب.

إقرأ أيضاً: النظام الإيراني في مستنقع الأزمات القاتلة!

تبدو هذه المناورات محاولة لإبقاء الخيارات مفتوحة، لكن دون تقديم تنازلات حقيقية، ما يضع النظام في مأزق مع المجتمع الدولي.

داخل النظام نفسه، تعكس التصريحات قلقًا عميقًا من التصعيد الدولي. وصف محسن رضائي، عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، القرار بأنه جزء من "مؤامرة غربية تهدف إلى الضغط على إيران". أحمدي، دبلوماسي سابق، حذر من أن "آلية الماشية أصبحت خطرًا داهمًا على النظام". صحيفة خراسان أشارت إلى أن إيران تواجه خطر العودة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مما قد يؤدي إلى فرض عقوبات صارمة.

تُظهر التطورات الأخيرة أن النظام الإيراني بات محاصرًا بين ضغط داخلي متزايد وأزمة خارجية غير مسبوقة. التهديدات النووية لم تعد تجدي نفعًا في مواجهة تغير قواعد اللعبة الدولية، فيما فشلت محاولات التفاوض في كسب الوقت أو تغيير المسار.

إقرأ أيضاً: نساء إيران: رائدات الحرية في مواجهة العنف والتمييز

مع ازدياد الضغط الدولي، يبدو أن خيارات النظام أصبحت محدودة للغاية. إما أن يخضع للضغوط الدولية ويقبل بالتراجع عن طموحاته النووية، أو يواصل التصعيد الذي قد يؤدي إلى تداعيات كارثية.

في كلا الحالتين، يظهر النظام عاجزًا عن التكيف مع الواقع الجديد، في ظل الانهيار الداخلي والضغط الدولي المتزايد، مما يجعل مستقبله أكثر غموضًا من أي وقت مضى.