قبل الخوض في هدنة لبنان، تذكرت أمراً يتعلق برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتحديداً في تشرين الثاني (نوفمبر) 1995 بعد أن جاءت به الانتخابات لرئاسة الحكومة. في تلك الفترة، كانت الأحداث تدور حول السلام ونزع السلاح النووي في المنطقة. كان ضمن هذه السلسلة من الأحداث عقد مؤتمرات متواصلة في هذا الشأن إلى أن حضرت في أحد تلك المؤتمرات المواجهة العربية المصرية مع القادة الإسرائيليين، وذلك في المؤتمر الخماسي الذي ضم مصر والسلطة الوطنية الفلسطينية والولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل في 13 شباط (فبراير) 1995 بالعاصمة الأميركية واشنطن.
في هذا المؤتمر، تعمد شيمون بيريز، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، استفزاز مصر، حيث شن هجوماً غريباً على مصر من خلال كلمته التي ألقاها في المؤتمر، والتي جاء فيها: "إنَّ مصر قادت المنطقة 40 عاماً إلى الهاوية، وعلى العرب أن يجربوا قيادة إسرائيل للمنطقة". كان الرد المصري حينها قوياً وملجماً على لسان وزير الخارجية الأسبق عمرو موسى، حيث قال: "لقد ارتكبت إسرائيل جرائم بشعة في بلدان المنطقة العربية، فكيف لها أن تقودها؟!".
بعد هذا المؤتمر بأيام، اُغتيل رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين الذي كان مؤيداً للسلام، ليظهر في المشهد السياسي الإسرائيلي نتنياهو، الذي كان يتعمد نسف مشروع السلام تحت شعار "تصحيح أخطاء أوسلو" على حد قوله. كان يرفض أي تقدم في التسوية السلمية على أي مسار من مساراتها، واستبدل مفهوم "الأرض مقابل السلام" بمفهوم "السلام مقابل السلام".
في تلك الفترة، كانت كل دول المنطقة تسعى لتحقيق سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط، وكان السلام حينئذ (وما زال) مرهوناً بقيام دولة فلسطينية مستقلة، وأن قيام الدولة الفلسطينية هو الهدف الرئيس لعملية السلام. لكن حكومة نتنياهو حينها كانت تتحمل مسؤولية الجمود في عملية السلام.
يتضح لنا من قصص الماضي المرتبطة برئيس الوزراء الحالي نتنياهو أنَّ الحاضر والمستقبل لن يكونا أفضل من الماضي معه، وما يحدث الآن في غزة وفي لبنان قبل الهدنة أبشع مما كان يحدث في تلك الفترة. وقد تمتد هذه البشاعة إلى أن تصل لدول أخرى، وسيزداد الأمر سوءاً طالما المجرم نتنياهو -الذي صدرت في حقه مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية- لا يزال يتسلم زمام الأمور في إسرائيل. كنت أتمنى أن تلعب الدول العربية ذات التأثير السياسي في المنطقة مثل السعودية ومصر والأردن دوراً مختلفاً بجانب تأثيرها في فرض هذه الهدنة، بأن تقدم مقترحاً يتضمن عقد قمة مشتركة يحضرها كل أطراف الصراع بوجود أميركي، وليُطلق على القمة "قمة صانعي السلام".
الحلول اليوم في مناطق الحروب والنزاعات تكاد تكون واضحة، لكن مع الأسف لا يوجد تعاون من الجانب الإسرائيلي. والعودة لما قبل 6 تشرين الأول (أكتوبر) ليس بالأمر المستحيل، وهو حل مناسب لجميع الأطراف، وقد يعيد الأمور لوضع جيد.
إقرأ أيضاً: الطريق إلى أميركا
رغم كل هذا الدمار والقتل والتهجير والتجويع في لبنان وغزة، إلا أن فرص النجاة (لمن بقي) لا تزال قائمة، ويجب أن تكون فعلية على أرض الواقع. يبدو أنَّ المجتمع العربي والإسلامي والغربي استبشر خيراً بالهدنة اللبنانية الإسرائيلية، ويعول عليها تفاصيل إيجابية كثيرة تخدم الجميع. من أهمها أن تمتد نتائج هذه الهدنة إلى غزة، ويعود الفلسطينيون لديارهم لإعادة إعمارها مجدداً وفق شروط واضحة، أهمها إيقاف الحرب، والاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية.
اليوم، الرأي السائد لدى كلا الطرفين هو أنَّ حماس ستسعى في المستقبل لتعديل سياساتها وإعادة النظر في استراتيجياتها. وبما أن الكرة ما زالت في ملعب إسرائيل، وعلى وجه الخصوص نتنياهو، الذي سبق أن رفض مبادرات كثيرة لإيقاف الحرب، باعتراف وسائل الإعلام الإسرائيلية، نحتاج إلى مزيد من الضغط، على وجه الخصوص الجانب الأميركي.
إقرأ أيضاً: الرئيس والصلاحيات
لا توجد في شخصية نتنياهو أي نافذة أمل يمكن أن نتكئ عليها، فرجل مثله يحمل تاريخاً فظيعاً من الإجرام، وفي عنقه الآلاف من الشهداء لا يمكن أن نستبشر منه خيراً. لم يعد أمام الجميع غير الانتظار والتوقعات المرتبطة بالهدنة في لبنان. يتمنى سكان غزة والمحللون في عالم السياسة أن تشمل هذه الهدنة غزة، رغم أن المؤشرات الحالية لا تترك أبواب الأمل والتفاؤل مشرعة كما يجب! وأخشى ما أخشاه أن تكون هذه الهدنة باباً جديداً لمشروعات وهمية ومماطلات دبلوماسية لن تفضي إلى شيء يعود بالنفع لا على الشعب الفلسطيني، ولا على إقامة الدولة الفلسطينية!
التعليقات