كتَّاب إيلاف

سوريا: نهاية حكم أم نهاية دولة!

مركبات عسكرية إسرائيلية تعبر السياج عائدة من المنطقة العازلة مع سوريا قرب قرية مجدل شمس في مرتفعات الجولان في 10 كانون الأول (ديسمبر) 2024
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

تسارعت الأحداث في سوريا بطريقة غير مسبوقة بدخول قوات المعارضة لكل الأراضي السورية وسقوط دمشق. وهنا يثار أكثر من تساؤل: هل ما حدث يضع نهاية لحكم عائلة الأسد، أم نهاية لسوريا كدولة مستقلة وذات سيادة على كل أراضيها؟ وهل هي مرحلة لتقسيم سوريا إلى دويلات صغيرة؟ والسؤال أيضًا: ما تفسير ما حدث؟ وأين دور إسرائيل، المستفيد الأكبر مما جرى في سوريا؟

نظريتان قد تفسران ما جرى وسيجري في سوريا مستقبلًا:

الأولى، نظرية المؤامرة غير المعلنة من قبل دول إقليمية ودولية لها مصلحة في التخلص من نظام الأسد والعمل على سوريا الجديدة بما يتناسب مع مصالح هذه الدول، مثل تركيا ومصالحها في شمال سوريا ومنطقة حلب التي تشكل قلباً اقتصادياً خفاقاً، والتخلص من التهديد الكردي. كذلك إيران وسعيها الدائم لأن يكون لها نفوذ في المنطقة، ومصلحة روسيا وأميركا في المنطقة وإعادة تقسيمها كمناطق نفوذ بينها.

ولا ننسى المستفيد الأكبر، إسرائيل، من انهيار النظام السوري وتحول سوريا إلى منطقة دويلات صغيرة. وهذا يتماشى مع هدف إسرائيل وأميركا بإعادة رسم الخارطة السياسية للشرق الأوسط، التي تهيمن عليها إسرائيل وتسيطر.

وهنا تحضرني نبوءة الدكتور عبد الله حامد، أستاذ العلوم السياسية، قبل أكثر من أربعين عامًا، وفيها يقول إنَّ إسرائيل لن تسمح بقيام دولة قوية موحدة على حدودها الشرقية. فأطول حدود لإسرائيل هي هذه الحدود التي تزيد عن أكثر من ستمئة كيلومتر. ويؤكد أن إسرائيل لن تسمح بقيام سوريا القوية الموحدة مع غيرها من الدول العربية، ولن تسمح لمن وراءها، كالعراق، أن يكون من القوة بما يسمح بتشكيل نواة قوة عربية تختزل إسرائيل داخل حدود ضيقة، وبالتالي يسهل التغلب عليها وابتلاعها.

هذه الرؤية نراها اليوم في ما جرى في العراق وفي سوريا، وبما تقوم به إسرائيل من احتلال لأراضٍ سورية جديدة كمنطقة عازلة وضرب كل بنية سوريا.

هذه النبوءة يمكن القول إنها تترجم اليوم في سوريا بانهيار نظام الحكم ونهاية حكم خمسين عامًا لآل الأسد. ورأيناها في تجربة الوحدة مع مصر عام 1958، بزعامة الرئيس جمال عبد الناصر وشكري القوتلي، ولم تدم أكثر من ثلاث سنوات. جاء بعدها الحكم البعثي الطائفي بزعامة حافظ الأسد، وبدلًا من أن تتحول سوريا لدولة قوية تنصهر في بوتقتها كل الطوائف، تحولت لدولة الطائفة الواحدة مما سهل استمرار الحرب الأهلية وسيطرة الجماعات المختلفة المدعومة من دول مثل تركيا وإيران وأميركا.

رهن النظام نفسه لحماية دول أخرى في مقدمتها روسيا بتواجد قواعدها العسكرية فيها وبتواجد النفوذ الإيراني والسيطرة التركية على المناطق الشمالية وسيطرة إسرائيل على الجولان وضمها بدعم أميركي، واليوم بتوسيع سيطرتها مما يشكل تحديًا ومعيقًا كبيرًا لوحدة سوريا كدولة واحدة.

وكما أشار الكاتب البريطاني باتريك سيل في كتابه "الصراع على سوريا"، فإنَّ الصراع من أجل السيطرة على سوريا هو الأكثر أهمية وأولوية في فترة ما بعد الحرب الثانية. وهو كما نرى اليوم الأولوية الكبرى للدول الإقليمية والدولية، وكمدخل لإعادة رسم خارطة المنطقة وغلق ملفها الأكبر: ملف القضية الفلسطينية.

وكما هو معروف تاريخيًا، مر تاريخ سوريا بعدة مراحل: الأولى، مرحلة ما قبل سوريا الدولة، وكانت مخترقة من الدول الجوار. الثانية، مرحلة الانتداب الفرنسي وتخلص سوريا من هذه الأطماع والاستقلال وبناء الهوية السورية. المرحلة الحالية تعيد سوريا إلى المرحلة الأولى، واضعة الهوية السورية موضع تساؤلات وشك.

إقرأ أيضاً: إسرائيل وغلق ملفات القضية الفلسطينية

كما أشرت في البداية، إلى جانب العامل السياسي وسيطرة حكم الأسرة والطائفة الواحدة، هناك العامل الجغرافي أو لعنة الجغرافيا التي حلت بسوريا وجعلتها مطمعًا وصراعًا للدول المذكورة. ويضاف إلى ذلك العامل الاقتصادي ومصادر النفط والغاز التي تحتويها أراضيها، ليحولها إلى صراع على المكان والسياسة والاقتصاد.

ما يجري وجرى في سوريا ليس مجرد أزمة مركبة بكل تعقيداتها الإقليمية والدولية والداخلية، بل استمرار الأزمة لأكثر من عقد، وتهجير الملايين من أبنائها، وقتل مئات الآلاف وسجن الآلاف. هذه السياسة مقصودة، فعملية التهجير والقتل تهدف إلى تفريغ مناطق من كثافتها السكانية ذات الطابع الطائفي تمهيدًا لتقسيمها لمناطق نفوذ بين الدول الإقليمية والدولية المهيمنة والمسيطرة على أرض الواقع، وأبرزها تركيا لمنع قيام دولة كردية، وإسرائيل التي ضمت الجولان بدعم أميركي، وإيران الطامحة لمد نفوذها لسواحل البحر المتوسط.

هذا التواجد الذي تمثله الجماعات المسيطرة اليوم يعكس عمق الأزمة والتحدي الأكبر في استعادة الهوية السورية الواحدة.

إقرأ أيضاً: أسطورة غزة

لو نظرنا إلى الخارطة السياسية لسوريا، سنجد تقسيمًا قائمًا: منطقة غرب الفرات تسيطر عليها القوات الروسية والإيرانية، وشرق الفرات تسيطر عليه القوات الأميركية، والجولان تسيطر عليها إسرائيل. يبقى أن سيطرة الجماعات الحالية تخفي وراءها الرغبة في السيطرة على أقاليم معينة. هذه البداية لإعادة رسم الخارطة السياسية ليست لسوريا فقط، بل للمنطقة كلها بما يتفق مع مصالح الدول الإقليمية والدولية، انتظارًا لليوم التالي لسوريا.

السؤال: هل ترقى الرؤى إلى أن الأولوية لسوريا دولة ديمقراطية، دولة المواطنة الواحدة والمؤسسات القادرة على تجاوز الانهيار وطمس الهوية؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف