كتَّاب إيلاف

انفصال قادة حماس عن واقع غزة

فلسطيني يبحث عما يمكن الاستفادة منه بين أنقاض مبنى دمره القصف الإسرائيلي في مدينة غزة الخميس
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الذكرى السابعة والثلاثون لتأسيس حركة المقاومة الإسلامية حماس حلت يوم 14 كانون الأول (ديسمبر) وانقضت كحدث عابر دون زخم إعلامي يُذكر، حتى أن أكبر المنابر الإعلامية العربية الداعمة للحركة لم تكلف نفسها عناء إعداد تقرير يحتفي بالذكرى، على غرار ما عهدناه في السنوات السابقة. ربما غطى الحدث السوري على مجمل الأحداث الأخرى بما فيها تأسيس الحركة وهي تكابد وسط حرب وجودية، أو ربما يخفي هذا التجاهل الإعلامي في باطنه من الإيحاءات ما يكفي لتوجيه رسائل قوية إلى قادة الحركة.

بيان الحركة بمناسبة الذكرى حمل التأكيد على استمرار المقاومة المسلحة ضد إسرائيل إلى حين بلوغ التحرير الشامل، معلنًا رفض أي شكل من أشكال التسوية القائمة على حل الدولتين. وهي مواقف تكشف اتساع الهوة بين قيادات حماس ومعاناة سكان غزة، الذين يأملون بأن تفضي وساطة القاهرة والدوحة إلى التوصل إلى هدنة تنهي كابوس الحرب التي توشك أن تتخطى عدد قتلاها 45 ألفًا.

ثم تستمر الحركة من خلال هذا البيان في تأكيد انفصالها التام عن الواقع عندما تحيي “الصمود الأسطوري” لشعب غزة بعد كل ما تحمله من تبعات كارثية لما سُمي بـ"طوفان الأقصى"، متجاهلة أن تكاليف هذا الصمود قد تجاوزت بأضعاف مضاعفة ما يمكن أن يصل إليه سقف مطالبها في مفاوضات الهدنة. هذا الصمود الذي تختزله جملة واحدة: تدمير كل شيء من أجل لا شيء في المحصلة.

لا عجب أن قادة حماس يكتفون بترديد ذات المفردات والخطاب بعد كل ما ألحقته سياستهم من ضرر بالغ بقطاع غزة وعلى القضية الفلسطينية برمتها، ولا عجب في وقوعهم في نفس الأخطاء رغم كل تلك التجارب التي خاضوها. أو أن يتحدثوا عن التحرير الشامل في الوقت الذي تبدي فيه الحركة مرونة بقبولها انسحابات جزئية من المحاور الرئيسة في فيلادلفيا ونتساريم ومناطق شمال غزة، بعد أن كانت تصر على الانسحاب الشامل، أو أن يطالبوا بإقامة دولة فلسطينية بعد أن كرروا مرارًا رفضهم لأي حل سياسي جاد يفضي إلى حل الدولتين.

إقرأ أيضاً: كيف يؤثر سقوط الأسد على القضية الفلسطينية؟

لا عجب أيضًا أن يرفع القيادي خالد مشعل علم الثورة السورية بيده اليمنى ثم يصافح بشار الأسد بيده اليسرى ليعود في الأخير ويبارك سقوطه.

أحيت حماس الذكرى السابعة والثلاثين لتأسيسها في خضم مرحلة مفصلية من تاريخها، بعد أن تجاوزت انعكاسات مغامرة يحيى السنوار العبثية حدود قطاع غزة لتقود إلى تكسير أوصال محور المقاومة، وأفقدت إيران ثقلها في لبنان بعد ما تكبده حزب الله في حرب الإسناد. ومع كل ما أحاط التجربة الحمساوية من فشل، لا يمكن لأي جهة من داخل الحركة أن تتجرأ على القيام بنقد ذاتي قد يدفع بالحركة إلى تصويب مسارها، ما يجعلها رهينة أيديولوجيتها التي لا تسمح لها بأن تكون حركة سياسية قادرة على فهم المتغيرات الجيوسياسية والتكيف مع تطورات المشهد السياسي الإقليمي بواقعية، بعيدًا عن الشعارات والخطابات الحماسية التي لا تضيف شيئًا للقضية الفلسطينية.

إقرأ أيضاً: عائلة الأسد… من القصور إلى مزابل التاريخ

حماس اليوم لم تعد رقمًا صعبًا في المعادلة الفلسطينية، بعد أن فقدت قوتها العسكرية وعلاقتها الاستراتيجية مع داعمها السياسي في المنطقة. أما فقدان حاضنتها الشعبية في الداخل فهو إعلان مبكر لنهاية تجربتها السياسية قبل أن تضع الحرب أوزارها. ومع ذلك، لن يمثل انسحابها من المشهد نهاية الطريق المظلم الذي سلكه الغزيون منذ انقلابها واستيلائها على السلطة، ذلك لأن تركتها الثقيلة على قطاع غزة ستحتاج إلى سنوات أطول من تلك التي أمضاها الناس تحت حكمها.

الناس في قطاع غزة لا يكترثون كثيرًا لمستقبل حركة حماس ولا لبياناتها التي تحييهم على "صمودهم الأسطوري"، بقدر تركيزهم على ضرورة التوصل إلى صفقة تنهي بشكل عاجل الكارثة الإنسانية التي حلت بهم جراء الحرب. وإذا وفر سقوط حماس وعودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع واقعًا مغايرًا ينهي مسلسل الصراع الدموي ويجلب الدعم الدولي الكفيل بإعادة الإعمار، فإن ذلك هو مطلب الغزيين جميعًا، البعيدين عن تفاصيل السياسة وصراع الكراسي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف