كتَّاب إيلاف

ما يعنيه لإيران إسقاط الأسد

احتفالات في مدينة السويداء في جنوب سوريا بسقوط نظام بشار الأسد
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عادةً، كل نهاية لأي شيء في العالم هي بداية جديدة لشيء آخر، وإسقاط نظام الأسد في سورية لن يكون استثناءً، بل سيكون بداية لمرحلة جديدة في تاريخ المنطقة، مرحلة تعيد رسم التوازنات السياسية والجيوسياسية بعيداً عن النفوذ الإيراني.

مما لا شك فيه أنّ إسقاط بشار الأسد ليس كإسقاط زين العابدين بن علي في تونس، ولا إسقاط حسني مبارك في مصر، ولا إسقاط معمر القذافي في ليبيا، ولا إسقاط عمر البشير في السودان. فإسقاط بشار الأسد يعني إسقاط مشروع إيراني تدميري قائم على الطائفية والتوسع العسكري، ويعني إسقاط حلقة مهمة من محور "الهلال الشيعي" والاستراتيجية الإيرانية في المنطقة، والعمود الفقري لما يُسمّى بـ"محور المقاومة"، وقطع أحد أهم شرايينه الذي استنزف المنطقة وأشعل الحروب فيها.

إسقاط بشار الأسد يعني كسر "الحلقة الذهبية لسلسلة المقاومة في المنطقة"، كما أطلق عليها علي أكبر ولايتي، كبير مستشاري المرشد الأعلى علي خامنئي. ويعني خسارة إيران لثُلث جغرافيا هذا المحور الذي كانت تتفاخر به، وتحويل مركز ثقل هذا المحور شرقاً إلى العراق واليمن.

إسقاط بشار الأسد يعني إسقاط خط الدفاع الأول عن إيران ومصالحها ومشروعها النووي، وخسارة جزء كبير من إمكانيات الردع الأمنية خارج حدودها الجغرافية. ويعني إعادة خلط خارطة النفوذ، ليس في سورية فحسب، وإنما في المنطقة ككل. كما يعني عزل إيران جغرافياً تماماً عن حزب الله في لبنان، درّة تاج طموحاتها بالهيمنة، وانحسارها عند الحدود العراقية السورية، وإفقادها ميزة إدامة مشروعها الجيوسياسي الذي لطالما تفاخرت به بأنه يمتدّ من أفغانستان حتى لبنان. ويعني عزلتها أيضاً بشكلٍ كبيرٍ عن مساحات التنافس الجيوسياسي التي كانت تؤمِّنها الساحة السورية مع قوى إقليمية مهمة كتركيا.

إقرأ أيضاً: الشُعوبيون الجُدد

إسقاط بشار الأسد يعني إسقاط شبكة النفوذ التي بناها الحرس الثوري في سورية، وإسقاط عمليات التغيير الديموغرافي المنظّمة على مدار أكثر من عقد، وإسقاط عمليات الاستحواذ على مقدَّرات الدولة السورية، وتسخير ساحتها خدمةً لحزب الله لتمرير السلاح والمخدرات والمقاتلين.

إسقاط بشار الأسد يعني إسقاط المشروع الإيراني بالوصول إلى البحر المتوسط، الذي لطالما شكّل غاية استراتيجية عُليا للمشروع الإيراني، يقوم على الربط السككي بين ميناء الخميني في الخليج العربي وميناء اللاذقية على البحر المتوسط مروراً بالعراق.

إسقاط بشار الأسد يعني خسارة فلسطين لأحد أكبر تُجّار القضية في المنطقة، وخسارة إيران لوجودها العسكري في الجنوب السوري بالقرب من الحدود الفلسطينية المحتلة، وبالتالي خسارتها لأحد أبرز منافذها للتأثير في الصراع الفلسطيني &- الإسرائيلي.

إقرأ أيضاً: نتنياهو والجابوتنسكية: 100 عام على "الجدار الحديدي"

إسقاط بشار الأسد يعني اطمئنان لبنان اليوم أكثر، فلا سلاح لحزب الله من إيران عن طريق سورية، فإيران لن تصل إلى لبنان عن طريق سورية بعد اليوم. ويعني خلاص الأردن ودول الخليج من خطر المخدرات والكبتاغون السوري &- الإيراني، فلا تصنيع ولا تهريب لها من سورية بعد اليوم.

إسقاط بشار الأسد بعد 53 عاماً من حكمه وحكم والده حافظ الأسد، ليس مجرد إسقاط نظام استبدادي أو مجرد تغيير في الحكم، بل انهيار منظومة متكاملة استثمرت فيها إيران سنوات طويلة من الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي والثقافي، في محاولة لترسيخ وجودها كقوة إقليمية مهيمنة على حساب استقرار شعوب المنطقة ومستقبلها.

إسقاط نظام بشار الأسد يعني فتح الباب أمام إعادة بناء سورية على أسس وطنية جامعة تتجاوز الطائفية التي زرعها النظامان السوري والإيراني، وتحرير القرار السوري من هيمنة إيران. فإيران ونفوذها أُخرجا من سورية، وفي أغلب الظنّ نهائياً، خصوصاً بعد أدوارها التي مارستها خلال العقد الماضي في دعم الأسد بشكل كامل.

إقرأ أيضاً: الشُعوبيون الجُدد

باختصار، إسقاط نظام الأسد زلزال أسقط مشروعاً طائفياً مدمراً، ووجّه ضربة قوية لإيران التي استثمرت سياسياً ومالياً وعسكرياً في هذا النظام. فإيران اليوم تعدّ الخاسر الأكبر من إسقاط هذا النظام في سورية، وبعد قطع رأس حزب الله في لبنان وإضعافه، وهو ما يُمثل تحدياً حقيقياً لقدرتها على التكيف مع حقبة جديدة تسود فيها احتمالات إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية بعيداً عن نفوذها المتآكل.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف