كتَّاب إيلاف

لماذا أخفق الفلسطينيون في حكم أنفسهم؟

أطلال مطار غزة الدولي
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

لم ينجح الفلسطينيون في حكم أنفسهم بأنفسهم ورهنوا قراراتهم للمتغيرات الخارجية، ولم ينجحوا في بناء نظام حكم توافقي تشاركي مدني، ولم ينجحوا في الحفاظ على وحدتهم السياسية والمجتمعية فتأصلت وتجذرت ظاهرة الانقسام، ولم ينجحوا في الاتفاق على الخيار أو الخيارات الأكثر فعالية لتحقيق أهدافهم السياسية، والتي أبرزها إنهاء الاحتلال وقيام الدولة. ولعل هذا الفشل المتجذر تاريخياً هو ما يفسر لماذا لم تتحقق الأهداف والأولويات السياسية التي كانت أيضًا محل خلاف ونزاع وصراع.

لقد تأكدت حقيقة هذا الفشل بالكثير من الوقائع والأمثلة، وليست من باب النقد والتهجم بقدر ما هي من باب التحليل الهادف للمراجعة وتصحيح الخيارات والمسارات. فتاريخياً، ولعلها من أهم المراحل التاريخية، مرحلة العشرينيَّات من القرن الماضي، ومنذ صدور وعد بلفور ووضعه موضع التنفيذ بسياسات الانتداب البريطاني وتشجيع الهجرة ونقل الأراضي للحركة الصهيونية وتشجيع بناء المؤسسات اليهودية، ساد حكم العشائر والعائلية وحكم الأفراد، وبرزت الخلافات بين التيارات الدينية والعلمانية، ولم يستطع الفلسطينيون توحيد أنفسهم، فكانت النتيجة سهولة التغلب على الثورات التي اندلعت.

لننتقل بعدها إلى مرحلة نشأة إسرائيل وقيام الدولة، ووقتها لم تكن هناك حكومة فلسطينية واحدة، إلى أن ظهرت حكومة عموم فلسطين لفترة زمنية قصيرة برئاسة أحمد حلمي باشا، وشغلت مقعدًا اسميًا في الجامعة العربية. لتنتهي هذه المرحلة بمرحلة دمج الضفة الغربية في إطار المملكة الأردنية الهاشمية، وليغلب عليها الهوية الأردنية التي ما زالت معالمها قائمة، ووُضعت غزة تحت حكم الإدارة المصرية التي استمرت حتى الاحتلال الإسرائيلي لكل الأراضي عام 1967.

تعتبر هذه المرحلة من أزهى المراحل في الحفاظ على الهوية الفلسطينية وازدهار التعليم والخدمات الصحية والتجارية، لتتحول غزة إلى أهم ميناء تجاري في هذه المرحلة. ومن أبرز معالمها أيضًا تشكيل جيش التحرير الفلسطيني وتشكيل منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة أحمد الشقيري. لتنتهي هذه المرحلة بمرحلة سيطرة فتح على المنظمة، ولتصبح الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني والحاكمة لإدارة الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة.

تشكلت المنظمة من عدد من الفصائل وغلبت سيطرة حركة فتح وشخصانية الرئيس ياسر عرفات. لتستمر هذه المرحلة من السيطرة والهيمنة الفصائلية حتى عام 1993 وتوقيع اتفاقات أوسلو، وتخللتها مظاهر فشل كثيرة في العلاقة العربية مع الأردن ولبنان، وفي الحرب على الكويت، وفي إدارة الشأن الداخلي واندلاع الانتفاضة الثانية.

إقرأ أيضاً: إسرائيل وغلق ملفات القضية الفلسطينية

ومع مرحلة أوسلو دخلت السياسة الفلسطينية في مرحلة السلطة والانتخابات لأول مجلس تشريعي. ومع هذه السلطة، التي من أبرز معالمها انتقال السلطة وقيادة المنظمة إلى غزة أولاً، تشارك لأول مرة بين عنصر السلطة والشعب بصلاحيات محدودة. برزت معها معالم حكم شبه حقيقي على بقعة من الأرض لا تتجاوز الواحد بالمئة من مساحة فلسطين.

تحولت المنظمة بشرعيتها التمثيلية إلى مؤسسة تابعة للسلطة من خلال التحكم في الموازنة والقيادة التي مثلتها فتح. ومنذ نشأتها عام 1993، شهدت انتخابات لمرتين للرئاسة والمجلس التشريعي، وبدأت تظهر طبقة سياسية تعطي الأولوية للحكم والمنصب السياسي على حساب الحكم ذاته. بقيت هذه المرحلة تحت سيطرة فتح بقيادتها وشخص الرئيس عرفات حتى اغتياله.

إقرأ أيضاً: أسطورة غزة

دخلنا مرحلة جديدة مع عام 2006، وانتخابات جديدة للرئاسة والتشريعي، ومشاركة حماس التي فازت في الانتخابات التشريعية بشكل مطلق، والرئاسة لفتح. بدأت مرحلة الفشل السياسي أولاً في فشل حكومة وحدة بين فتح وحماس، ثم انقلاب حماس على السلطة، وبداية الانقسام السياسي الذي تحول إلى حالة من الانفصال السياسي وتشكيل حكم وسلطة في الضفة وأخرى في غزة بقيادة حماس.

برز التناقض في الخيارات والمقاربات وآليات الحكم. ومع حكم حماس منذ عام 2007، بدأت الحروب تدور على غزة وصولًا إلى الحرب الحالية التي تهدف إلى غلق وتفكيك القضية وتحويل الحكم إلى مجرد حكم ذاتي.

إقرأ أيضاً: حروب الكبار

من أخطر مظاهر الفشل في هذه المرحلة، مرحلة الصراع على التمثيل السياسي والشرعية بين حماس وفتح، وفشل لقاءات متعددة من المصالحة بينهما. وصلنا الآن إلى مرحلة اللاحكم واللاسلطة والتنازع على تمثيل الشعب. برز الفشل في الخيارات والمقاربات بين خيارات المقاومة المسلحة التي تتبناها حماس والجهاد، والمقاومة السلمية الشعبية التي تتبناها السلطة.

الخيارات الدولية بقيام الدولة وقبولها في الأمم المتحدة ومؤسساتها ما زالت تراوح مكانها. يبقى أن هذا الفشل في الحكم تقف وراءه أسباب كثيرة، منها ظهور الطبقة السياسية الساعية للحكم، والفساد الإداري والسياسي، وغلبة النزعة الشخصانية والفصائلية. السؤال المستقبلي لمرحلة ما بعد الرئيس: هل تبقى السلطة أم سنرى الخيارات البديلة لها؟ وهل ستنتهي معها القضية لصالح حكم فصائلي شخصاني؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف