يُقال إنَّ الحرب امتدادٌ للسياسة، وهذا يعني أنَّ الحرب إذا لم يكن لها أهدافٌ سياسية تحققها، فستكون خيارًا فاشلًا. حروب الكبار لها أهدافٌ كبرى وتضحياتٌ أكبر، ويدفع ثمنها الجميع. وأي اتفاق سلام يتبع الحرب ينبغي أن يرقى إلى هذه الأهداف الكبرى، وهذا حال أي حرب طرفها الولايات المتحدة.

إذا أرادت الولايات المتحدة خوض حرب، فهذا يعني أن أهدافها تتماشى مع رغبة الإدارة الأميركية في العودة إلى أميركا الأحادية التي لا يتم تحديها أو قدرة الآخرين على مواجهتها. قد تبدو الحرب مع روسيا مستبعدة في أوكرانيا، وذلك بعد لقاء القمة بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، وأن التصريحات الأميركية المتشددة لم تكن إلا رسالة للحلفاء الأوروبيين بالدور الأميركي الحتمي، وأنه لا دور لأوروبا دون الدور الأميركي. أما الحرب الخطأ الثانية مع إيران، فالتصريحات التي تصدر عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، والحراك الإسرائيلي تجاه الولايات المتحدة بزيارة بيني غانتس وغيره من العسكريين، لا تعني أنها ستكون حربًا سهلة، فإيران تمتلك من القوة ما قد يلحق الضرر الكثير. وقد تتحول هذه الحرب إلى حرب إقليمية ودولية تخرج عن السيطرة ويصعب وقفها أو تحقيق الهدف منها بإسقاط النظام القائم أو التخلص من كل القدرات النووية لإيران.

تبقى الحرب الأكثر خطأ هي الحرب مع الصين على تايوان. تصريح وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن بأن بلاده لن تسمح للصين بالذهاب بعيدًا في تايوان، وتصريح بايدن بأنه لن يسمح بغزو الجزيرة الديمقراطية واحتلالها، يدل على أن الولايات المتحدة تسعى لجعل هذه الحرب صراعًا بين الديمقراطية والدكتاتورية. وهذا ما لمسناه في المؤتمر الأخير الذي عقدته الولايات المتحدة، والذي وصفته الصين بأنه سلاح بيد الولايات المتحدة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول. ما يعني أيضًا تجديد الحرب الأيديولوجية التي انتهت مع إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب وزيارة الرئيس الصيني وزوجته للرئيس ترامب في منتجعه بفلوريدا.

بعض الخبراء الأميركيين يرون أنه يمكنهم كسب حرب قصيرة وسريعة وإحباط أي محاولة صينية في تايوان، فيما ترى الصين أنه بإمكانها توجيه ضربات سريعة وحاسمة تشل المقاومة التايوانية وتضع الولايات المتحدة أمام الأمر الواقع. وكلاهما يفضلان حربًا خاطفة ومبهرة، ولكن في جميع الخيارات، لن تكون حربًا خاطفة أو قصيرة بل ستكون لها أبعاد إقليمية ومحلية. من السهل أن تبدأ هذه الحرب، ولكن من الصعب وقفها، وقد لا يحقق أي منهما أهدافه السياسية. هي حرب لن يخسرها أي من الطرفين، وستكون مكلفة في جميع نواحي الحياة. فلا الصين مستعدة لقبول الهزيمة، ولا الولايات المتحدة مستعدة لذلك أيضًا، لأن الثمن السياسي أكبر من أن يتحمله كل طرف، وقد يكون الثمن السياسي هو الحكم ذاته. ومن مخاطرها أنها ستكون لها تداعيات خطيرة على إمكانات السلام لما بعد الحرب، مع مخاطر كبيرة نوويًا.

إقرأ أيضاً: أوسلو وجدل الإلغاء المتجدد

يمتلك الطرفان من القدرات والموارد ما يؤهلهما لحرب طويلة طالما لم تحقق الهدف السياسي منها. يعتقد الصينيون أنه بإمكانهم توجيه ضربات صاروخية قوية تشل القدرات الدفاعية ليس فقط لتايوان بل للوجود العسكري الأميركي في المنطقة. أضف إلى ذلك القدرات السيبرانية التي قد تحدث حالة من الفوضى تعيق أي ضربات تايوانية أو أميركية. في حروب الهيمنة والسيطرة، تزداد المخاطر منعًا للهزيمة، وهذه أصعب الحروب وأكثرها مخاطرة. الصين لن تسلم بالهزيمة التي تعني مساسًا بحكم الحزب والرئيس الصيني، وسوف يشجع أعداء الصين أكثر. السيناريو ذاته ينطبق على الولايات المتحدة التي تعتبر هذه الحرب حربًا لتأكيد سموها العالمي وأحادية القوة العسكرية وتثبيتًا لأحادية النظام الدولي الذي ترفضه الصين. لا أحد سيقبل بالهزيمة، وكلاهما يملك القدرات لاستمرار أطول حرب قد يعرفها التاريخ.

إقرأ أيضاً: إسرائيل وإيران وخيار الحرب الشاملة

المتعارف عليه في أدبيات الحروب أن حروب الكبار عندما تبدأ تصبح أكبر وأكثر تعقيدًا وتشابكًا، وأكثر دخولًا في استخدام أسلحة جديدة، آخرها النووية. هذه الحرب ستتجه نحو البنية الاقتصادية والصناعية، وستدفع لحشد الرأي العام لحرب طويلة. وقد تستهدف المدنيين، سواء بضرب المدن أو أهداف مدنية أخرى. الحروب الكبرى تتطلب أهدافًا كبرى وتضحيات أكبر للفوز، وأي اتفاق سلام ينبغي أن يبرر هذه التضحيات. وهذا يجعل السلام أصعب ويضيق الفرص الدبلوماسية. قد تخلق الحرب حالة من العداء المستدام والكراهية وعدم الثقة، مما ينعكس على العديد من القضايا العالمية التي تحتاج إلى التوافق والاتفاق.

إقرأ أيضاً: الأمم المتحدة والاعتراف بدولة فلسطين

لكل هذه الأسباب والمعطيات، الحرب بين الولايات المتحدة والصين ستكون الحرب الخطأ. كلاهما قوتان نوويتان، وإن كانت القوة الأميركية تفوق الصينية بمراحل كبيرة، وموازنة الدفاع الأميركية التي تقارب التريليون دولار تشكل أضعافًا مضاعفة للصين. لذلك يصف المحللون هذه الحرب بأنها عقدة أو كارثة الاستقرار واللااستقرار. رغم اللغة العسكرية، كلا الطرفين يبحثان عن البدائل التي تحفظ ماء الوجه كما حدث مع روسيا في أزمة أوكرانيا، وما سيحدث مع إيران وصولًا إلى اتفاق نووي. تبقى الحرب على غزة وامتداداتها الإقليمية، واحتمالات الحرب بين إيران وإسرائيل، ومحاولة الولايات المتحدة كبحها والسيطرة عليها حتى لا تتحول لحرب كبرى أو الحرب الخطأ. إنها الحرب الأيديولوجية الجديدة، وما يصحبها من حرب باردة إلى أن يستقر النظام الدولي.