كتَّاب إيلاف

رسالة مفتوحة إلى وزير العدل السوري

وزير العدل في الحكومة الانتقالية السورية شادي الويسي
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في ظل ما تعانيه سوريا من تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية، تتفاقم مشكلة جديدة باتت تؤرق السوريين في الداخل والخارج على حد سواء، مشكلة الوكالات القضائية الواردة من الخارج، والتي أصبحت أداة لتوكيل أشخاص داخل البلاد بهدف التصرف في ممتلكات عقارية بطرق تثير الكثير من التساؤلات حول الشفافية والعدالة. هذه القضية لا تتعلق فقط بجوانب قانونية أو إدارية، بل تتجاوز ذلك لتصبح مسألة أمن قومي تهدد حقوق الأفراد ومقدرات الوطن بأسره.

تنتشر هذه الوكالات المشبوهة في وقت يمثل فيه العقار أحد أهم موارد السوريين الاقتصادية، بل أحد أعمدة استقرارهم الاجتماعي. كثير من هذه الممتلكات العقارية، التي تُقدر قيمتها بمليارات الدولارات، أصبحت عرضة للنهب والاستيلاء من قبل أطراف تسعى لتحقيق مكاسب خاصة على حساب أصحابها الشرعيين. الأخطر من ذلك هو تدخل جهات أجنبية، بما في ذلك ميليشيات ذات مصالح توسعية، لاستغلال الوضع الراهن والاستيلاء على أراضٍ وممتلكات بطرق غير قانونية.

إنَّ استمرار هذا الوضع دون رادع قانوني قوي يمثل كارثة قد تؤدي إلى ضياع حقوق السوريين وثرواتهم العقارية، ما يزيد من تعقيد الأزمات التي تعصف بالبلاد.

القضاء السوري، باعتباره الملاذ الأخير لتحقيق العدالة، يحمل على عاتقه مسؤولية كبيرة في هذه المرحلة الحساسة. من الضروري أن يتم التعامل مع الوكالات القضائية الواردة من الخارج بحذر شديد، عبر آليات تحقق صارمة تضمن صحة هذه الوكالات وتمنع أي تلاعب قد يُفقد المواطنين ممتلكاتهم. كما يتعين على القضاء اتخاذ خطوات حازمة لوقف الاعتراف بأي وكالة تثير الشكوك أو تُستخدم بطرق غير مشروعة.

إقرأ أيضاً: كارتر.. رمز العدالة الاجتماعية والسلام

علاوة على ذلك، لا بد من إصدار تشريعات جديدة تُحكم السيطرة على حركة العقارات، مع فرض قيود واضحة على بيعها أو نقل ملكيتها بناءً على وكالات خارجية. هذه القوانين يجب أن تكون مدعومة بأنظمة رقابة رقمية حديثة، لضمان الشفافية ومنع التزوير.

تمثل الممتلكات العقارية التي تم الاستيلاء عليها أو بيعها بطرق غير شرعية ثروة وطنية هائلة. إن استعادة هذه الممتلكات وإعادتها إلى أصحابها الشرعيين لا يقتصر فقط على تحقيق العدالة، بل يُعد خطوة جوهرية في مسار إعادة إعمار سوريا. يمكن توظيف هذه الممتلكات بشكل يعود بالنفع على الدولة والمجتمع، سواء عبر تطويرها لتوفير مساكن للمواطنين أو استخدامها كمصدر لتمويل مشاريع وطنية تنموية.

إقرأ أيضاً: جواز السفر.. وثيقة القهر السوري اليومية

إلى جانب الجهود القانونية، لا بد من إطلاق حملات توعوية واسعة النطاق لتعريف المواطنين بحقوقهم العقارية وسبل الحفاظ عليها. من المهم أن يتمكن السوريون، سواء داخل البلاد أو خارجها، من الوصول إلى استشارات قانونية مجانية تساعدهم على حماية ممتلكاتهم من التلاعب أو الاستغلال.

على الحكومة السورية أن تُظهر التزامها بالشفافية من خلال تقديم تقارير دورية حول إدارة القضايا العقارية، مع ضمان أن تُخصص الإيرادات المستخلصة من هذه الممتلكات لدعم المشاريع الوطنية، وليس لخدمة مصالح ضيقة.

نظراً لأن المشكلة تمتد إلى خارج الحدود السورية، فإن التعاون مع الجهات الدولية أمر بالغ الأهمية. يمكن للسفارات والقنصليات السورية أن تلعب دوراً محورياً في التحقق من صحة الوكالات الصادرة في الخارج، وتقديم المساعدة القانونية للمغتربين السوريين لضمان عدم استغلالهم.

إقرأ أيضاً: ما مبرر قمع الصحفيين في سوريا؟

إنَّ حماية ممتلكات السوريين ليست مجرد قضية قانونية أو إدارية، بل هي مسؤولية وطنية وأخلاقية تمس صميم استقرار البلاد ومستقبلها. اتخاذ موقف حازم تجاه هذه الظاهرة يرسل رسالة واضحة بأن سوريا لن تسمح لأي جهة بالعبث بحقوق أبنائها أو استغلال ثرواتها.

إننا نناشد وزارة العدل، بالتعاون مع المحاكم والقضاة الشرفاء، اتخاذ خطوات عملية فورية لحماية ممتلكات السوريين، وإعادة الحقوق إلى أصحابها الشرعيين. العدالة ليست مجرد شعار يُرفع، بل هي ركن أساسي في بناء الدولة التي نحلم بها جميعاً.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف