التحرير الحقيقي للعراق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بعد 22 عامًا من الاحتلال الأميركي للعراق، الذي أُسبغت عليه أوصاف شتّى، لعلّ من أبرزها وصف &"التحرير&"، والذي لعب الإعلام الأميركي خصوصًا، والغربي عمومًا، دورًا أساسيًا في تسويقه، صار واضحًا أن العراق قد تعرّض لواحدة من أعنف الضربات التي وُجّهت له منذ سقوط الدولة العباسية على يد هولاكو.
نظام صدام حسين، ومهما قيل عنه أو تمّ وصفه، فإنه، وقياسًا بالوضع الحالي في العراق، يُعدّ مثل الثريّا إزاء الثرى، إذ، بالرغم من كل المساوئ التي تُقال عن عراق صدام حسين، فإنه كان يتّصف بالهيبة والشموخ والعزّة، وليس كما يحدث حاليًا، حيث لا يتجاوز كونه مجرّد دمية يتم تحريكها من طهران وأنقرة وواشنطن.
لم يتم تحرير العراق من حكم صدام حسين، وإنما تمّ تكبيله بأكثر من قيد في معصميه، ولا سيما القيد الإيراني الذي يعلوه الصدأ، ومن الصعب فتحه بسهولة، خصوصًا بعد أن أصبح العراق البقرة الحلوب لأسوأ وأفظع نظام دكتاتوري في العالم. والأسوأ من ذلك أن المال العراقي الذي يتدفّق إلى طهران يتم استخدامه لدعم وترسيخ ذلك النظام من جهة، وتشديد قبضة خامنئي على العراق من جهة أخرى.
دفع صدام حسين ثمنًا باهظًا جدًا لتحدّيه دولة إسرائيل، حتى إنه أصبح عبرة لدول أخرى باتت تتجنّب الذهاب أكثر من اللازم في معاداتها، لكن الأسوأ في الأمر أن الشعب العراقي هو الذي دفع فاتورة صدام، مع ملاحظة مهمة جدًا تنطوي على مفارقة فريدة من نوعها، وهي أن إسرائيل وإيران كانتا أبرز المستفيدين من احتلال العراق وسقوط صدام، وأن فتح أبواب بلدان عربية أمام إسرائيل، وأخرى تنتظر فتحها أيضًا، هو من ثمار ما يُسمّى كذبًا بتحرير العراق.
منذ الفترة المظلمة التي مرّت على العراق بعد سقوط الدولة العباسية، لم يشهد مثل هذا الوضع الشاذ والصعب والمعقّد، بحيث يضعه أمام خيارات أحلاها مرّ، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن فسح المجال للتدخّل الإيراني في العراق لم يكن مفاجئًا كما قد يُروّج له، بل كان في الحسبان، إذ لولاه لما كانت الأمور بالنسبة إلى الدولة العبرية تصل إلى ما وصلت إليه حاليًا. ومن الواضح جدًا أن الربيع الإيراني في العراق قد انتهى منذ سقوط نظام بشار الأسد، وتحجيم حركة حماس ونظيرها حزب الله في لبنان، وأن خريفه في طريقه إلى هزيعه الأخير.
العراق في منعطف بالغ الحساسية، ولا سيما من حيث ارتداداته وتداعياته، وما قد ينجم عنه من آثار تكتيكية واستراتيجية. والمثير في الأمر أن العراق لا يمكن أن يعود إلى رشده وصوابه إلا بعد أن تصبح قلوب ساسة العراق في عقولهم (*)، لكي يساهموا في خلق أوضاع تعمل على تغيير الواقع الفكري ـ الاجتماعي الانطوائي الحالي في البلد، تمامًا كما حدث في ألمانيا بعد سقوط الحكم النازي.
* مقتبس من قول لنابليون بونابرت: يجب أن يكون قلب السياسي في عقله