صحة

التاريخ السرى للعادة السرية - الحلقة الثانية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


احتار علماء اللغة فى أصل كلمة العادة السرية MASTURBATION وبحثوا فى جذرها اللغوى فوجدوه غير واضح وإنقسموا إلى فريقين، الفريق الأول أرجع الكلمة إلى الأصول الرومانية، والثانى أعاده إلى الأصل اللاتينىMANUS بمعنى يد وSTUPRO بمعنى ينجس، أى أنه الفعل الذى ينجس اليد، لكن معظم الدارسين الآن يرجعونها إلى الجذر اللغوى اليونانى MEZEA أى الأعضاء التناسلية، وهو ما يتفق مع المعنى الأصلى القديم للعادة السرية وهو إثارة الأعضاء التناسلية
برغم هذه الجذور اليونانية والرومانية للكلمة إلا أن كلاً من المجتمع اليونانى والرومانى لم يناقش هذه العادة بإستفاضة وأبدى حيالها الصمت إلا فى كتابات قليلة مثل ماقاله "أبو قراط" والذى يعتبر الجد الأول للطب، والذى كتب يحذر منها ويقول "كثرة العادة السرية تستهلك النخاع"، والعجيب أن هذا هو المفهوم الشعبى المصرى المستقر حتى الآن بالنسبة لهذه العادة!، وقد زاد عليها شعبنا بانها تتسبب فى خلخلة الركب!.
وبالرغم من أن الكتاب المقدس لم يدن صراحة العادة السرية أو يقل فيها قولاً فصلاً واضحاً، او نصاً ظاهراً حيالها، إلا أن اليهود والمسيحيين المحافظين يدينونها وينظرون إليها كإثم وذنب عظيمين، وقد حاولت هذه التيارات المحافظة الإستناد إلى قصة" أونان" فى سفر التكوين، والتى إعتبروها مرسوماً صادراً من الرب ضد العادة السرية، يقول النص:

"فقال يهوذا لأونان إدخل على إمرأة أخيك وتزوج بها وأقم نسلاً لأخيك فعلم أونان أن النسل لايكون له. فكان إذا دخل على إمرأة أخيه أنه أفسد على الأرض لكيلا يعطى نسلاً لأخيه. فقبح فى عينى الرب مافعله. فأماته أيضاً"

فسرت التيارات المحافظة هذا الفعل لأونان على أنه العادة السرية، ولكن الدراسين المحدثين يفسرونه على أنه كان بالفعل يجامعها ولكنه كان يقذف فى الخارج، وهذا فعل مختلف تماماً عن العادة السرية، وقد صارت هذه القصة فى حكم البديهيات لدرجة أن العادة السرية كانوا يطلقون عليها الأونانية ONANISM حتى أوائل القرن العشرين.
فى الإسلام أيضاً إختلفت الآراء، فالإستمناء أو جلد عميرة (الإسم الذى يطلق على العادة السرية) يراه البعض حراماً مطلقاً، ويراه البعض حراماً فى بعض الحالات وواجباً فى بعضها الآخر، والبعض الآخر ذهب إلى القول بمجرد كراهته، ولكا منهم قياساته وحججه.
أما الذين ذهبوا إلى تحريم الإستمناء فهم المالكية والشافعية والزيدية، وحجتهم فى التحريم أن الله سبحانه وتعالى أمر بحفظ الفروج فى كل الحالات إلا بالنسبة للزوجة وملك اليمين، فإذا تجاوز المرء هاتين الحالتين وإستمنى كان من العادين المتجاوزين ما أحل الله لهم إلى ما حرمه عليهم، وإعتمدوا فى ذلك التحريم على قول الله تعالى فى سورة المؤمنون:

"والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن إبتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون".

نأتى إلى الفريق الثانى الذى حرم فى بعض الحالات وأوجبها فى البعض الآخر، وهذا الفريق هو فريق الأحناف فقد قالوا: إنه يجب الإستمناء إذا خيف الوقوع فى الزنا بدونه جرياً على قاعدة إرتكاب أخف الضررين.
أما الحنابلة فقد قالوا أنه حرام إلا إذا إستمنى خوفاً على نفسه من الزنا أو خوفاً على صحته ولم تكن له زوجة أو أمة ولم يقدر على الزواج فلا حرج عليه.
أما إبن حزم فيرى أن الإستمناء مكروه ولا إثم فيه، لأن مس الرجل ذكره بشماله مباح، وإذا كان مباحاً فليس هناك زيادة على المباح إلا التعمد لنزول المنى فليس ذلك حراماً أصلاً لأن القرآن لم يفصل لنا تحريمه.
كان ممن كرهه "إبن عمر" و"عطاء" وممن أباحه إبن عباس والحسن وبعض كبار التابعين، وقد قال الحسن "كانوا يفعلونه فى المغازى".
إذن فى الإسلام أيضاً الأمر مختلف عليه وليست فيه الكلمة اليقين بالنسبة للعادة السرية أو الإستمناء.
نأتى إلى الكنيسة الكاثوليكية الحديثة والتى ظلت متمسكة بالرأى القديم ففى إعلان الفاتيكان لأخلاقيات الجنس والذى صدر فى 29 ديسمبر 1975 أعلن أن "العادة السرية إضطراب داخلى خطير وإثم عظيم"، وقد نظر قادة الكنيسة إلى هذه العادة على أنها فعل غير طبيعى لأن هدف التكاثر أو غاية التناسل ليست متوافرة، ووصفوها على أنها إمتهان للنفس أو تدنيس للجسد وتلويث للروح.
ظلت الإتهامات والإدانات والتحريمات حتى القرن الثامن عشر تدور فى إطار الكتب المقدسة، وأوامر ونواهى رجال الدين حتى جاء الطبيب السويسرى "تيسوت" (1728-1797) وزخرفها علمياً ومنحها إطاراً طبياً مزيفاً مما زاد من سوء سمعتها أكثر وأكثر، فتحولت العادة السرية من مجرد إثم وذنب إلى علة ومرض!.
كتب الطبيب السويسرى أن كل الأنشطة الجنسية خطيرة وضارة لأنها تدفع الدم إلى منطقة الرأس تاركة باقى أعضاء الجسم خالية منه، ويتسبب ذلك فى تحلل الأعصاب وباقى الأعضاء الحيوية، وبالتالى سيؤدى تحلل الأعصاب إلى الجنون!، وكان" تيسوت" يعتقد أن العادة السرية بالذات هى أخطر نشاط جنسى على الإطلاق لأنها تبدأ فى أكثر سنين العمر حيوية، ولأن الإحساس بالإثم والذنب المصاحب لها يضاعف من تدمير الجهاز العصبى.
أصبحت المصحات النفسية تراقب المرضى حتى لا يقعوا أسرى هذه العادة، وبمرور الوقت عبرت مفاهيم ومعتقدات هذا الطبيب السويسرى المحيط الأطلنطى وسرت آراؤه كالنار فى الهشيم، وإكتسبت العادة السرية نتيجة لذلك الإنتشار أبعاداً خطيرة، وصورة قبيحة، وصارت سبباً لكل مرض وبلاء، وإليكم عينة من الأمراض التى أعتقد الناس فى ذلك الوقت أنها من نتائج العادة السرية، فبالإضافة إلى الجنون إنضم إلى القافلة الصرع وحب الشباب والهزال وضعف التركيز وفى النهاية الموت المبكر!!.
وقع الآباء أسرى هستيريا القلق على أبنائهم، وصار همهم الأساسى هو الحفاظ عليهم من هذا الخطر الداهم، وصار أيضاً من واجبات الأطباء الأساسية أن يضعوا حداً لهذا الخطر، وتم الإستنزاف المنظم والهائل للطاقة والمال بغرض الشفاء من العادة السرية بداية من الأحزمة المحكمة والأقفال والأقفاص التى تحمى الأعضاء التناسلية من الأيدى العابثة، ووصولاً إلى التدخل الجراحى الذى يترك جزءاً صغيراً من العضو لا يسمح بالمداعبة!!.
دخل الأمريكان الحرب ضد العادة السرية بمنطق جديد وهو إذا كانت هذه العادة هى الطعام الذى يشتهيه الجميع فلو منعنا المشهيات التى تفتح النفس لإلتهام هذا الطعام أو ممارسة هذه العادة فسنكون قد نجحنا فى القضاء عليها، لذلك وضعت قائمة ممنوعات طويلة منها الكحوليات والمأكولات البحرية والملح والفلفل والجيلى والشيكولاته والخل والقهوة....وغيرها، وزادت طوابير المتهمين حتى كادت أن تشمل كافة الأطعمة التى شك فيها الأطباء بأنها تثير الأعصاب وتزيد من الرغبة الجنسية.
بجانب منع الطعام أضيفت أسلحة أخرى للمواجهة، فقد حذر الأطباء من البنطلونات الضيقة والإحتكاك بأغطية السرير عند النوم، ومداعبة الأعضاء التناسلية عند التبول، ولمسها بالنسبة للأطفال عند الإستحمام بواسطة الأب أوالأم.
لكن ماذا لو فشلت كل هذه الإحتياطات فى منع ممارسة العادة السرية؟، الحل أيضاً موجود، ولكن بخطوات أكثر قسوة وعنفاً وميلودرامية، كان الحل الجاهز فى روشتات الأطباء وقتها أن يرتدى الطفل جاكتاً محبوكاً على كل جسده وقت النوم، ولفه فى ملاءة باردة حتى تبرد الرغبة وتثلج الشهوة، ثم تربط يداه فى أعمدة السرير!، وقد وافق مكتب براءات الإخترعات الأمريكى وقتها على عدة أشكال وتعديلات مختلفة لحزام العفة والذى كان منتشراً فى العصور الوسطى، وينصح الآباء بعمل مفاتيح لغلق هذا الحزام قبل نوم الطفل والحفاظ عليه فى مكان أمين.
فى مطلع القرن العشرين تطورت أدوات كبح ومنع جديدة تتناسب مع التطور التكنولوجى الذى أحدثته الثورة الصناعية، فتم إختراع القفاز المعدنى الذى يشل اليد عن محاولات "الدعبسة" الليلية الشيطانية، بالإضافة إلى وسيلة تحذير شبيهة بالجرس ترن فى حجرة الوالدين عند أى حركة أو محاولة الخروج على النظام والآداب العامة!.
لم يقنع العقل البشرى فى حربه ضد العادة السرية بمثل هذه الوسائل المؤقتة والحلول المرحلية، فهم لا يريدون رصاصاً أو قنابل زمنية ولكنهم يريدون النابالم والقنابل الذرية!!، ولذلك أجهد الأطباء أنفسهم حتى يستريح ضميرهم نهائياً ويخلدون إلى الراحة دون أن ينقض عليهم صوت فحيح النشوة الناتجة عن هذه العادة الشيطانية فى رأيهم!!.
ولذلك هداهم تفكيرهم إلى حلول ثورية وجذرية مثل:

·وضع ديدان العلقة على الأعضاء التناسلية لإمتصاص الدم وتخفيف الإحتقان الذى كانوا يعتقدون أنه السبب الرئيسى فى تأجج رغبتهم الجنسية.
.الكى بتيار كهربى أو بمكواة ساخنة لكى تنصهر الأعصاب وتموت الرغبة.

أكثر الحلول جذرية كانت إخصاء الرجل وختان المرأة، وإنتشر هذا الحل فيما بين عامى 1850 و 1860، لدرجة أن الدوريات العلمية الأمريكية وقتها أكدت على أن أفضل الحلول والعلاجات للجنون هو الإخصاء!، ولم تخف حدة المعركة أو تنطفئ نيرانها المشتعلة إلا حينما بدأت الهدنة فى السنين الأولى من هذا القرن، خاصة فى المجتمع الأمريكى حين بدأ الأطباء هناك يفضون الإشتباك، ويهاجمون الإرتباط الشرطى فيما بين العادة السرية والجنون.
تمرد بعض الأطباء الشبان هناك وأعلنوا بشجاعة أن السيدات يمارسن العادة السرية للتخفيف من الهستيريا، والرجال يمارسونها بدلاً من إصطياد العاهرات أو الوقوع فى مستنقع الأمراض التناسلية مثل الزهرى والسيلان، ولكن لا تستعجل عزيزى القارئ فنحن لم نصل بعد إلى توقيع إتفاقية السلام بين العادة السرية والعقل البشرى، ولكى نتأكد من ذلك فلنقرأ تقريراً طبياً بتوقيع د.سكوت الذى كتبه 1930 يحذر فيه من الأنشطة التى تثير الشهوة وتؤدى إلى العادة السرية مثل التسلق وركوب الدراجات والجلوس على ماكينات الخياطة، وأكد فيه أن أقصر الطرق للعته والجنون والشيخوخة المبكرة هو طريق العادة السرية التى تؤدى أيضاً إلى الصداع والبلادة وإلتهاب الأعصاب وعدم وضوح الرؤية.
أظن أنها أخطر وثيقة إتهام، ولكن هل إستمر الطريق فى إتجاه واحد، وإدانة على طول الخط، أم أن العلم كان له رأى آخر؟؟؟؟؟؟.


khmontasser2001@yahoo.com


التاريخ السرى للعادة السرية - الحلقة الاولى



التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف