السريحي: مَن وراء كتب بـريال واحد وتروج للتطرف؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أصوات من مملكة الغد
هذه السلسلة من الحوارات تأتي لتفتح نوافذ الحوار عن الوطن.. عن المملكة العربية السعودية هذا اليوم وغداً.. هنا نستضيف اصواتاً فاعلة في المشهد الثقافي والاجتماعي المحلي.. هي أصوات لا تذهب إلى الغد.. بل قد تكون عائدة منه للتو.. أصوات تحاور وتقرأ تفاصيل الوطن والمرحلة التي يعيشها كما تشعر و ترى وتتمنى.. قد تقترب هذه الأصوات من الحقيقة، قد يكون تشخيصها دقيقاً.. وقد يحمل قراءة خاصة لا يمكنها أن تكون على الصواب دائماً.. لكن الصواب الذي نحن متيقنون منه هو أننا نهجس معاً بوطن واحد يثق بنا ونثق به. الآراء المطروحة هنا والتي تمثل أصحابها بالضرورة لا نتبناها بقدر ما نتبنى الحوار الذي يمكن أن تثيره وتفعله وتطلق أجنحته. هذه الأصوات كلها لـ"مملكة الغد"، منها:
سعيد السريحي (2/4):
جامعاتنا وقعت أسيرة للاتجاهات المتطرفة
بسبب التوجيهات لم نستطع مجابهة التيار المضاد للحداثة!!
حاوره عيد الخميسي: "منذ أن تجسدت الكلمة هاتفاً يجوب الذاكرة.. نقشاً على شاهد قبر.. خربشة على جدار كهف.. كانت صرخة للإنسان يثقب بها صمت الموت يتراءى له خلف أقنعة تتوالى من ساعة الولادة حتى لحظة الوفاة. وكانت النطفة يودعها رحم الآتي ينتزعها من صميم العدم الساري في حياته يعلن بها أن إنساناً دب على هذه الأرض حري به ألا ينتهي مضغة في شدق الفناء"
*قلت للسريحي أنت من أكثر المثقفين الذين تعرضوا مبكراً لحملات التشكيك والتخوين والتكفير وتفتيش النوايا.. الآن وبعدما تضخم هذا التيار وأصبح يناوئ المجتمع بأسره.. وبعد العديد من الأحداث الأليمة التي هزت أمن الوطن انطلاقاً من هذا الفكر... بم شعرت أولاً؟
وكيف تقرأ هذه الظاهرة؟
و.... بعد صمت قصير أجاب بحزن:
-كدت أن أتمثل بقول الشاعر ( أمرتهم أمري بمنعرج اللوى – فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد ).. أنا هنا لا أتحدث عن سعيد السريحي وحده وإنما أتحدث عن فئة كبيرة من المثقفين جوبهوا بهذا التيار.. وكنا ندرك آنذاك أن من حلقت لحية جار له فليسكب الماء على لحيته.. كنا ندرك أن هذا التيار سيتضخم وسيظهر أثره على المجتمع كله.. الآن نشعر بحزن شديد أن هؤلاء الذين يكفرون المجتمع قد بدأوا بنا ولم يكن المجتمع يعي ذلك.. لم يكن يعي أن من يكفر فرداً فيه سوف يكفره كله...
*كنتم تدركون ذلك كمثقفين... لكنكم لم تجابهوا هذا التيار.. استمرت النار في الاشتعال....
(وهنا تأتي الإجابة سريعة قبل أن يكتمل السؤال.. )
-مجابهة هذا التيار لم تكن الدور المناط بنا.. كان أولئك يستثمرون قدراتهم على التنظيم، منابرهم المفتوحة، غفلة من كافة المستويات عن هذا التيار العارم الذي كان يسري في الناس سريان النار في الهشيم... لم يكن باستطاعتنا أن نفعل شيئاً.. لم يكن يتاح لنا من الحرية القدر الذي نستطيع أن نواجههم به..
كانت التوجيهات تقتضي ( عدم إثارة الموضوعات سلباً أو إيجاباً ) هكذا بالنص – والحديث للسريحي - وكنا نحن لأننا نعبر عبر صحافة رسمية مؤسساتية نلتزم بهذه التوجيهات وكانوا هم لأنهم يعبرون عبر أشرطة ومنشورات توزع سراً ومنابر مساجد غير منضبطة لا يلتزمون بهذه التوجيهات... دعني أذكر أن كثيراً من الردود التي كتبت ضد هذا التيار نشرت في صحف خارج المملكة.. لأن التوجيهات كانت تقتضي بأن يتم السكوت.. وكأن السكوت هو الحل.. لذلك لم نستطع القيام بدور أولاً لأن الدور كان أكبر من أن تنهض به فئة مثقفة تدافع عن نفسها ولأن النزال لم يكن يتاح لها...
الحوار والفرص المتساوية
*مثل هذه الطروحات التي تبدأ كأفكار كيف ترى الأسلوب الأمثل للتعامل معها؟
- مع إتاحة الفرص المتساوية لأطراف هذا الحوار..الذي حدث أن كثيراً من المنابر الثقافية التي كنا نتحرك عليها جبنت ولم تكن مستعدة أن تفتح لنا باباً أو نافذة نطل منها على الناس. الحوار المتكافئ الفرص والمضمون الحرية كذلك هو السبيل الوحيد لمواجهة هذه الأفكار.
*كيف يمكنك أن تحاور من يرفض مبدأ الحوار؟
- أنا لا أحاوره كي أصحح مفاهيمه.. أنا أحاوره كي أكشف زيف هذه المفاهيم فلا يغري بها الآخرين.. ولا تكون هي المسيطرة على الرأي العام.. الحوار ليس لإقناع المتطرفين بأن يتراجعوا لأنهم لا يبحثون عن حقيقة وإنما يبحثون عما يتيح لهم الحضور والهيمنة والسيطرة.
جامعاتنا لا تخرج شخصيات منفتحة
*لم نطو صفحة هذه التيارات المتطرفة بعد ونحن ننتقل إلى السؤال التالي فقد عانى السريحي الكثير من الضغوطات إبان عمله في إحدى الجامعات السعودية وهي الجامعة ذاتها التي أوقفت حصوله على شهادة الدكتوراة.. قلت للسريحي: الجامعات السعودية وأنت قد عملت في إحداها لثمان عشرة سنة هل صحيح أنها تبث أفكاراً متطرفة لطلابها.. هل يساعد المناخ الجامعي لدينا على تكوين شخصية متفتحة/ منفتحة، متعرضة لهواء هذا العصر وأفكاره؟
أرجو ألا أكون منطلقاً من تجربة شخصية إن قلت أنني لا أعتقد أن أكثر جامعاتنا تتيح ذلك... الجامعات نفسها وقت أسيرة لهذه الاتجاهات التي تسربت إليها عبر كثير من أعضاء هيئة التدريس الذين كانوا يخرجوا عن المنهج المقرر كي يوجهوا الطلاب إلى هذه الاتجاهات.
*إلى التطرف؟
- نعم. (يستطرد السريحي) دعني أذكرك بالرسالة التي تحدث عنها الصديق حسين بافقيه وهي رسالة متطرفة تماماً ومنحت درجة الدكتوراة وهي الرسالة التي لا يتردد صاحبها في أن يتحدث عن ( الفيتوري ) باعتباره ( الأسود الوجه، الكريه المنظر ) رغم أنها رسالة جامعية.. هذه الرسالة ل( سعيد الغامدي ) وهي عن ( الحداثة في المملكة ).
حرية التفكير والدعاة ل( مايريدون )!!
*وكيف لجامعاتنا أن تخرج من ذلك برأيك؟
- الحل يتمثل في شيئين.. بث الروح العلمية الحقيقية وإتاحة الفرصة لحرية التفكير.. التفكير الحر لا يقود إلا إلى الحقيقة أما التفكير الموجه فهو لا يقود إلا إلى الخراب.. المنهج العلمي الذي تأسست عليه جامعاتنا في الاساس غائب عنها في الوقت الحاضر.. وهنا وفي الوقت الذي يحمل فيه حديثي إدانة لبعض الجامعات لا أنكر أنني تلقيت العلم فيها وأدين بكل حرف لها ولكن الفترة التي تلقينا فيها العلم تختلف تماماً عن هذه الفترة.. كان هناك أساتذة علماء يدرسوننا أما الآن فهناك دعاة( لما يريدون ) يسيطرون على هذه الجامعات.
المثقف لم تتح له الفرصة لمواجهة واقعه
*المثقف السعودي هل تأخرت قراءته لواقعه كثيراً حتى سبقت الأحداث فعاد معلقاً وشارحاً ومحللاً؟
- لم تكن الفرصة تتاح كما ينبغي للمثقف السعودي لمواجهة هذا الواقع.. نحن عشنا طويلاً تحت وهم المجتمع الخالي من الجريمة، عشنا طويلاً تحت وهم ( أن ما لا نتحدث عنه لا يوجد )، عشنا طويلاً تحت وهم ( ما نسكت عنه ينتهي بطبيعته ) ولكننا لم نكن قادرين على مواجهة هذا الواقع كما هو... دعني أذكر أن فترة مرت لم تكن صحيفة تجرؤ على نشر خبر جريمة قتل والآن أصبحت هناك العشرات من جرائم القتل التي ترتكب والتي تنشر في الصحف بمعنى أننا بدأنا نعترف بأننا مجتمع كغيره من المجتمعات.. هذا الاعتراف هو بداية الوعي بالحقيقة وهو أول الخطوات لمواجهة الواقع وقراءته.
المكتبات تحوي كثيراً من أفكار التشدد
*كنت أريد قراءة من السريحي للصحافة السعودية حين سألته.. كيف يقيم أداءها؟ وكان الجزء التالي من السؤال هو الذي نقلنا إلى منطقة أخرى حين قلت له: هل صحيح أن بعض الأفكار التي تحض على التطرف تمر عبرها؟
- كلا. حالياً لا أعتقد أن الصحافة يمكن لها أن تمرر شيئاً من ذلك.. غير أن المكتبات ما تزال تحوي شيئاً كثيراً من الأفكار المتشددة.. دعني أشير إلى مكتبة في مستشفى الجامعة هنا في جدة.. تستطيع أن تجد فيها كثيراً من الكتب التي تحمل أفكار التطرف.. (وهنا يتحرك إلى زاوية من زوايا المكتب حيث يحضر كيساً به العديد من الكتب والكتيبات صغيرة الحجم.. يبدأ بإخراج هذه الكتب وهو يريني إياها.. )..
هذا ( المجاهد الصغير )، ( حتى يعلم الشباب )، ( الثبات )، ( الحداثة في ميزان الإسلام )، ( حصاد الفتيان )، ( هذا هو الحل )، ( الغزو في المجال التعليمي )..
ويتابع بعد ذلك: هذه الكتب أخذتها حينما مررت بالمكتبة صدفة لزيارة أحد الأصدقاء هناك.. في هذه الكتب ستجد الكثير من أفكار التطرف.
من وراء هذه الكتب؟
*سألته: وهل تُمنع هذه الكتب برأيك؟
- لا أريد أن أكون سلطوياً فأقول أن علينا أن نمنعها لكن علينا أولاً أن نكشف من وراءها ومن المستفيد منها.. حينما تنتشر أفكار التطرف في كتاب يباع بريال أو ريالين وذلك لا يكلف قيمة الطباعة.. لا أتحدث عن منع الأفكار لكنني أريد أن أتساءل عن المؤسسات التي تضخ هذه الأفكار وتمولها وتسعى إلى بيع كتبها وإهداءها وتوزيعها بالمجان ووضعها في المكتبات.. هناك كتب تزودك بعناوين كي تبعث إليها فتحصل على قدر ما تريد من النسخ.. تجيئك مثلاً مئة نسخة ب140 ريالاً ( يريني أحد هذه الكتب الذي ثبت إعلاناً على غلافه الخلفي بذلك ).. وهذا العرض على كتاب ( أساليب العلمانيين في تغريب المرأة المسلمة ).. كتب تباع بريال واحد فقط.. ماهي الجهات التي تتحمل هذه النفقات؟ هذا هو السؤال الأمني الذي يجب أن يطرح قبل أن يطرح السؤال الفكري.
أردت أن نعود مرة أخرى إلى الصحافة المحلية فسألت السريحي هل ترى أن الصحافة السعودية استطاعت أن تكون معبراً عن تطلعات المجتمع وحراكه أم أنها كانت تعبيراً عن المطلب السياسي بصورة أكبر؟
- نحن الآن في مرحلة تتداخل فيها المصلحة السياسية الوطنية بالمصلحة الاجتماعية.. نحن أمام تيار تكفيري يضعنا نحن والمؤسسة الرسمية في خندق واحد... هؤلاء المتطرفون لا يفرقون بين مواطن ومسئول.. ونحن حينما نعبر عن المصلحة السياسية فإنما نعبر عن المجتمع.. إننا الآن في خندق واحد.
وكيف كان الأمر سابقاً؟
•سابقاً كنا نستشعر فجوة بيننا.. كنا نشعر أن المؤسسة الرسمية تغض الطرف عن هذه الاتجاهات لأسباب نجهلها ولذلك لم نكن في ذات الخندق.. كنا نشعر كذلك محميون من قبل المؤسسة ربما لأن المؤسسة كانت تحسن بهم الظن.. ربما لأن لديها حكمة لا نفقهها لكننا في كل الأحوال لم نكن في ذات الخندق..
•تتحدث عنكم – أنتم كصحافيين أم كمثقفين؟
- أتحدث عنا كمثقفين.
*وكيف ترى الرقابة في صحافتنا.. ما يزال كثيرون يرون أن الرقيب عنصر متواجد بقوة في صحفنا؟
- برأيي أن الرقيب الحقيقي هو الكاتب نفسه.. وعليه أن يعي تماماً ( هو يكتب لمن ).. وعليه ألا يؤدي إلى حدوث بلبلة في الرأي العام.. هذه البلبلة قد تفسد مشاريع السلطة.. أنا لست مع الرقابة من خارج المثقف ولكن على المثقف أن يحمل وعياً يجعله يدرك طبيعة من يتحدث إليه وبماذا يتحدث.
في الحلقة القادمة من الحوار:
•إن لم يكن غداً فبعد غد تقود المرأة سيارتها
•أعضاء القائمة الذهبية في الانتخابات عرفهم المجتمع مبكراً فصوت لهم
•الحركة التاريخية تؤكد ضرورة وجود الأحزاب السياسية بالمملكة
يتبع