أخبار

"أخبرتني والدتي أنها عاشت ما يكفي، والآن جاء دوري لأعيش"

كيف غيّرت المنح الباكستانية حياة طلاب غزة المحاصرة؟

طلاب فلسطينيون لدى وصولهم إلى باكستان لدراسة الطب
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

حصلت ندى ولاما على فرصة ثانية لدراسة الطب في باكستان بعد هروبهما من الحرب المدمرة في غزة. وكانت الفتاتان الفلسطينيتان من المتفوقات في كلية الطب بجامعة الأزهر في غزة، لكنهما أمضيتا الأشهر القليلة الماضية في حالة هروب للنجاة بحياتهما، دون أن تعرف أي منهما ما إذا كانت الأخرى على قيد الحياة أم لا.

تقول ندى صافي، التي اضطرت إلى ترك والدتها وجدتها في غزة، إنها تعيش حياة صعبة في ظل القلق على أسرتها التي تعاني البؤس والمجاعة والقصف بالقنابل.

وتضيف: "أعتقد دائما أنه ربما كان ينبغي إخراج والدتي من غزة، وليس أنا. لكننا لم نستطع تحمل تكاليف مغادرتنا نحن الاثنتين، فالتكلفة تصل إلى 5000 دولار للشخص الواحد. أخبرتني والدتي أنها عاشت ما يكفي، والآن جاء دوري لأعيش. لقد كان الأمر مأساويا، لكن في النهاية كان علي أن أوافق".

ندى واحدة من بين طلاب فلسطينيين وصلوا إلى باكستان، لاستكمال دراسة الطب كجزء من برنامج المنح الدراسية. وأعلنت وزارة الخارجية الباكستانية في شهر يوليو/تموز أن المجلس الباكستاني للطب وطب الأسنان سيقدم منحا دراسية لأكثر من 100 طالب فلسطيني حتى يتمكنوا من مواصلة دراستهم في باكستان. وجاءت هذه المبادرة نتيجة للحرب الدائرة في غزة، من جانب مؤسسات أطباء الرحمن وصندوق الإغاثة العالمي ومؤسسة الخدمة.

وخلال حفل أقيم في 23 أكتوبر/تشرين الأول، رحب رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، بهؤلاء الطلاب قائلا: "أيها الطلاب الأعزاء، إخواننا وأخواتنا، باكستان هي وطنكم الثاني. سوف نستضيفكم. صدقوني، ليس هذا معروفا منا، بل مسؤولية كان يجب أن نقوم بها منذ زمن طويل. لكن لم يفت الأوان بعد".

حرب غزة تقضي على آمال حاملي المنح الدراسية

المساعدات إلى غزة: سرقات واحتكار واتهامات لإسرائيل وحماس

غزة اليوم: "كل غزة محتاجه علاج نفسي..إحنا اتخربنا من جوانا" هكذا تحدثت ضيفتنا غدير الخالدي

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قتلت إسرائيل أكثر من 43 ألف فلسطيني، بينهم طلاب وأطفال ونساء.

ورغم شعورها بالأمان والتفاؤل في باكستان، إلا أن ندى لا تزال تشعر بالقلق من أنها قد تفقد والدتها في أي لحظة. وتقول، "حتى لو أصابها شيء فلن أعرف إلا بعد أسابيع، لأننا لا نستطيع التحدث إلا عندما تتمكن من الاتصال بالإنترنت".

وبالعودة إلى حياتها السابقة في غزة، فقد كانت ندى تبدأ يومها بالبحث عن أساسيات الحياة لتتمكن من البقاء: العثور على الطعام، مكان لشحن الهاتف، وتوفير مياه للشرب والاغتسال - والتي لا تكون متاحة إلا مرة واحدة في الأسبوع.

فقدت ندى منزلها في الأسبوع الثاني من الحرب وأصبحت بلا مأوى منذ ذلك الحين. ولأنها عاشت بدون والدها وكانت طفلة وحيدة، قالت ندى إنها لم تشعر من قبل بالحاجة إلى "حماية رجل".

وفي مرحلة ما (أثناء الحرب)، كانت تتقاسم غرفة صغيرة مع 6 أشخاص آخرين، وتشارك استخدام الحمام مع 30 شخصا أيضا. وفي السوق، كانت الطائرات بدون طيار تطاردهم. وتصف الوضع في غزة، قائلة: "إما أن نموت بالقصف أو بالجوع. لم يكن لدينا ما نخسره".

وعن نجاتها من كل هذا تقول: "إنها معجزة أنني على قيد الحياة".

بالنسبة لندى، كان الدافع لاستمرارها في الحياة في مكان جديد مثل باكستان هو أنه جمعها مع لاما، وكانت مفاجأة لندى أنها وجدت لاما على قيد الحياة رغم أن منزلها قُصف في اليوم الثاني من الحرب. ففي ديسمبر/كانون الأول، تمكنت عائلة لاما من الخروج من غزة إلى مصر، بل ووجدت طريقة للحصول على تأشيرات دخول إلى كندا، لكنها قررت في النهاية القدوم إلى باكستان، التي توفر التمويل الكامل لفرصة الإقامة بها.

وتصف ندى ما حدث معها في باكستان، قائلة: "الجميع هنا اهتموا بنا كما لو كانوا من العائلة. بدءا من حمل حقائبنا في المطار وحتى التأكد من حصولنا على طعام جيد. كل شيء هنا رائع".

مما لا شك فيه أن ترك العائلات في غزة كان أمرا صعبا، لكن بالنسبة للعديد من هؤلاء الطلاب، كان لا بد من اتخاذ القرار بسرعة لأن الحدود كانت ستُغلق قريبًا.

كان محمد واحدا من هؤلاء الطلاب، وهو الأكبر بين إخوته، وبالتالي كان لديه الكثير من المسؤوليات. لكن عندما سمع أن عبور الحدود على وشك أن يصبح أكثر صعوبة، لم يستطع أن يترك الفرصة تضيع.

"سوف أصبح طبيبا جيدا وأعود إلى غزة"

كان محمد يعمل في المستشفيات والمخيمات الطبية حتى أثناء الحرب، حيث كان يقضي معظم وقته في علاج الأطفال الذين يعانون من إصابات بتر الأطراف. والآن أصبح حلمه في أن يصبح طبيبا أكبر من ذي قبل. ودائما ما يحفز نفسه بأنه في النهاية، سيكون طبيبا جيدا وسيجتمع شمله مع عائلته.

يقول محمد: "كنا نعيش حياة طيبة في غزة. كان هناك دائما البحر والشاطئ والحدائق، والناس الطيبون. لكن كل هذا تم تدميره. وحتى المستشفيات أيضا دُمرت. نأمل أن نعود مرة أخرى ونبنيها بأيدينا".

وأثناء حديثه عن الفترة التي قضاها في باكستان، كان لديه الكثير من الامتنان لكرم ضيافة الشعب الباكستاني، وقال: "باكستان عظيمة، والناس هنا في منتهى الطيبة. إنهم يحبوننا. في أي مكان نذهب إليه ويكتشفوا أننا من فلسطين، لا يأخذون أية أموال".

وأضاف ضاحكا: "إنه أمر محرج بالنسبة لنا، لكنه شعور جيد".

وأكد محمد أن أفضل ما في وجوده في باكستان هو توفر الغذاء.

"لا يوجد مكان مثل المنزل قبل الحرب"

يارا سليم، طالبة أخرى من غزة لم ترغب في ترك عائلتها والرحيل، لكن والدها أصر على أن تذهب لاستكمال دراستها.

تقول يارا: "نحن أناس عاديون ونحتاج إلى أن نعيش حياة طبيعية. لم يكن من السهل الانتقال من هنا إلى هناك، خاصة مع وجود القنابل في كل مكان وعدم وجود طعام".

عندما سُئلت عن شعورها عندما تكون في مكان بعيد جدا (عن غزة)، تنهدت يارا بعمق ودمعت عيناها، ثم استجمعت قواها لتقول: "نصف عائلتي في مصر، والنصف الآخر في غزة. لا أستطيع التحدث معهم يوميا لأنه لا يوجد اتصال. في الوقت الحاضر، لا يريدون حتى التحدث لأن الأمور تزداد سوءا ولا يعرفون ماذا يخبروني، لا يريدون أن أشعر بالانزعاج بسببهم. يطلبون مني مواصلة حياتي بينما يحاولون المضي قدما في حياتهم".

وعن حياتها في باكستان، توضح يارا أن الحياة "أفضل هنا، لكن لا شيء يشبه الوطن قبل الحرب. يحاول الجميع مساعدتنا وعلى أن تكون حياتنا أسهل. لدينا طعام هنا".

وعن دراستها للطب تقول: "المنهج الطبي الباكستاني يختلف قليلا عن المنهج الموجود في فلسطين، الحصول على درجة بكالوريوس الطب والجراحة هنا يستغرق 5 سنوات، بينما في فلسطين يستغرق 6 سنوات".

ولهذا السبب تعمل الجامعات الطبية في باكستان بالتعاون مع إدارات الجامعات الفلسطينية على وضع منهج خاص لها.

ورغم أن القصف الإسرائيلي في فلسطين لا يزال مستمرا، إلا أن معظم هؤلاء الطلاب يريدون العودة إلى وطنهم وخدمة شعبهم.

وقال نائب رئيس جامعة روالبندي الطبية الباكستانية البروفيسور محمد عمر، لبي بي سي: "نعمل مع عميد جامعة الأزهر في غزة للتأكد من حصول جميع الطلاب الفلسطينيين على بكالوريوس الطب والجراحة في الوقت المناسب للعودة إلى بلدهم وإعادة بناء نظام الرعاية الصحية هناك".

وفي الحفل الذي حضره رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، رحب بالطلاب الفلسطينيين وأخبرهم أن "باكستان وطنكم الثاني".

وأعرب شريف عن أسفه لصمت العالم عما يحدث في غزة، معتبرا أن القرارات والخطب ليست كافية لوقف الحرب "التي تؤلم القلب" هناك.

وقال رئيس وزراء باكستان: "لا تزال الدماء تتدفق في شوارع غزة، والمدارس تُقصف، والمستشفيات تُدمر، والعالم متفرج صامت".

وأكد على أن باكستان ترغب في دعوة مئات الطلاب الفلسطينيين الآخرين من غزة إلى هنا للحصول على منح دراسية ممولة بالكامل، مضيفا أنه طلب من السلطات الباكستانية اتخاذ إجراءات في هذا الصدد.

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تقصف إسرائيل غزة بشكل متواصل، على الرغم من دعوات وقف إطلاق النار والاحتجاجات الغاضبة في العديد من البلدان حول العالم. وطال القصف آلاف المباني، بما في ذلك المؤسسات الطبية أثناء الغارات الجوية والهجمات البرية.

كما وردت الكثير من التقارير عن وقوع أضرار جسيمة في المؤسسات التعليمية، واستهداف متعمد للأكاديميين الفلسطينيين.

ووثقت منظمة الصحة العالمية ومصادر أخرى الأضرار الجسيمة التي لحقت بمرافق الرعاية الصحية في غزة، بما في ذلك مستشفى الشفاء، أكبر مستشفى في غزة، وأصبح غير صالح للعمل.

طبيب واحد فقط تبقى في مستشفى كمال عدوان، وتحذيرات أممية من "وضع بائس" شمالي غزةمراسل بي بي سي: خرجت من غزة، لكنني أشعر بالذنب لأن أقاربي هناكمحاسن الخطيب: فنانة تشكيلية من غزة تنبأت بمقتلها في الحرب "وتبرعت بفنها صدقة جارية"، فما قصتها؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف