الإفلاس يهدّد صحفًا ورقية عريقة وحديثة
الإعلام التونسي يعيش الفوضى... وأصحاب المؤسسات يستغيثون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تتساوى الصحافة الورقية في تونس مع الصحافة الإلكترونية في حالة الفوضى وغياب الأفق ومخاطر الافلاس. ورغم الجهود التي تُبذل لتقنين قطاع الإشهار ودعم الصحف والصحافيين، فإن الجميع يتفقون على توصيف وضع الصحافة بالصعب جدًا.
محمد بن رجب من تونس: أطلقت "الجامعة التونسية لمديري الصحف" صيحة فزع أمام ما تتعرّض له الصحف الإلكترونية والورقية خاصة من مشاكل وصعوبات مثّلت العبء الأكبر الذي قد يحول دون ديمومتها ومواصلتها لنشاطها الإعلامي.
وجاء في بيان مديري الصحف تمسّكهم بالدفاع عن مشروعية مطالبهم معبّرين عن أسفهم لسياسة "التجاهل وعدم الإكتراث" التي تفرضها الحكومة على أصحاب المؤسسات الصحافية، وحذروا من "تبعات وعواقب الإستخفاف بمصير آلاف العائلات".
فوضى الإشهار
أكد نصر الدين بن سعيدة مدير صحيفة "التونسية" في نسختيها الورقية والإلكترونية، أنّ الحكومة لا تتحكم في الإشهار، بل رفعت يدها تماما عن هذا القطاع وهو ما أشاع الفوضى.
وأشار إلى أنّ عدد الصحف كان محدودا وتعيش في سوق محدودة، ولكن بعد الثورة تغير الوضع، فقد تضاعف عدد الصحف بينما حافظ السوق على محدوديته وكان الدعم متوفرا مع المحافظة على سعر صفحة الإشهار بينما تعمل بعض الصحف اليوم على التخفيض من الأسعار لتستفرد بسوق الإشهار معتمدة على رصيدها من المال وهي تسعى إلى إفلاس بقية الصحف حديثة العهد.
وأوضح بن سعيدة في تصريح لـ"يلاف" أنّ الدولة تعمل على انتهاز هذا الوضع الفوضوي بين المؤسسات الإعلامية في ظل غياب قانون ينظم سوق الإشهار.
ضرب الصحف الفتيّة
من جانبه، أكد هادي يحمد، مدير صحيفة "حقائق أونلاين" أنّ ما تعيشه الصحافة المكتوبة من مشاكل تخص الإشهار والدعم والتوزيع ينطبق تماما على الصحافة الإلكترونية، لأن ما حصل بعد الثورة ومنذ ثلاث سنوات وبعد أن كانت سوق الإشهار مقننة من طرف "وكالة الإتصال الخارجي" برغم الإنحياز للولاء السياسي والإنصهار في النظام العام، أصبحت تعيش الفوضى بعيدا عن أي تنظيم وهو ما أدى إلى ضرب الصحف المستحدثة بعد الثورة.
وتحدث يحمد لـ"إيلاف"عن الصحافة الإلكترونية وعن مؤسسات الإستشهار في ظل غياب تقاليد التعامل مع المؤسسات الإلكترونية مشيرا إلى أنّ الصحف القديمة هي المستفيدة من الإشهار على مواقعها الإلكترونية.
وضع كارثي
أشار رئيس الجامعة التونسية لمديري الصحف ومدير صحيفة "REALITES" الطيب الزهار، إلى أنّ الصحافة المكتوبة ما بعد الثورة تعيش وضعا كارثيا بسبب الفوضى التي يعيشها قطاع الإعلام مطالبا الحكومة بالتدخل الفوري واتخاذ ما يلزم من إجراءات فورية لوقف إعلان إفلاس العديد منالصحف.
وأوضح الزهار لـ"إيلاف" أنّ أزمة الصحافة الورقية في تونس سببها غياب دعم الحكومة على عكس ما يحصل في الدول الديمقراطية، متّهما حكومات ما بعد الثورة بالعمل على تركيع الإعلام وهو ما جعلها لا تتخذ أي إجراء لدعم الصحف حتى أنها ألغت الإشتراكات العمومية على بعض الصحف الورقية.
ضعف المحتوى
وأشار مدير صحيفة "التونسية" نصر الدين بن سعدة إلى أنّ ضعف انتشار الصحف الورقية قد يعود في جانب منه إلى انخراط البعض في انتاج مادة هزيلة ومسيّسة يغلب عليها الشتم وانتهاك أخلاقيات المهنة منذ ثورة 14 يناير، مؤكدا أن بعض الصحف اعتمدت الإبتزاز وسيلة للعيش والبقاء في ظل غياب الضوابط.
وأكد أن الإنتاج الصحافي تشوبه الرداءة في إشارة إلى ضعف مستوى الصحافيين المتخرّجين حديثا، موضحا أنه لا قيمة للشهائد إذا كان الصحافي غير قادر على تحرير مقال أو إنجاز تحقيق صحافي.
دعم خارجي
من جانبه، أكد سامي بن غربية مدير صحيفة "نواة" الإلكترونية لـ"إيلاف" أنه لا يعتبر نفسه وبقية العاملين من الصحافيين، مشيرا إلى أنّ نواة هي موقع إعلامي مواطني يمارس الصحافة بطريقة غير مباشرة أو بالقوة، واعتبرها قنطرة من الصحافة التقليدية وصحافة المواطنة، ولا تقبل الإشهار، مؤكدا أنّ "نواة" تتحصل على دعم من منظمات أجنبية تعمل على تدعيم المجالين الإعلامي والإجتماعي وبالتالي فهم ليسوا في حاجة إلى الإشهار، على حدّ تعبيره.
المال السياسي الفاسد
وأكد الطيب الزهار تنامي الإعلام البديل بفضل المال السياسي الفاسد الذي استطاع أن ينفذ إلى قطاع الإعلام المكتوب وجعله موجّها وبعيدا عن النزاهة والشفافية.
وأشار إلى أنّ الإعلام بقي بدون هيكل ينظمه وهو ما ساهم في الفوضى العارمة معبّرا عن تخوّفه من انهيار القطاع الذي يشغّل نحو 4 آلاف موظف.
وقال الزهار إنّ 68% من التونسيين يثقون في الصحافة الورقية، مشيرا إلى ضعف الإنتاج ورداءته وتجاوز أخلاقيات المهنة بسبب الكلفة الكبيرة للإعلام الجيد، مشددا على بعث "المجلس الأعلى للصحافة" من أجل الرفع من مصداقية الإعلام.
ونبّه مديرو الصحف إلى "مخاطر تسلل المال الفاسد ومخططات التوظيف والتشويه" منادين بالتدخل العاجل لإنقاذ المؤسسات الصحافية ﻣن اﻹﻓﻼس واﻟﻐﻠﻖ، وتعهدوا بإحترام أخلاقيات المهنة وتمكين القارئ من مادة صحافية سليمة، نزيهة وذات مصداقية".
الصحافة الإلكترونية
يقول الهادي يحمد رئيس تحرير "حقائق أونلاين"، إنّ المواطن التونسي لا يستبطن ثقافة قراءة الصحف وبالتالي لم ينمُ الحيز الذي تحتله الصحافة المكتوبة لأن تقاليد الإنتشار الإعلامي على غرار مصر والجزائر مثلا غير متوفرة، لأنّ القارئ في تونس والذي يهتمّ بالمحتوى، لم يتغير بعد الثورة، بل حافظ على التنميق والتزويق في صحافة مدجّنة، لذلك تواصلت أزمة الثقة بين المواطن والصحافة بعد رفع شعار "صحافة العار" بعد الثورة، وعملية التدافع وحالة الإستقطاب الثنائي، وهو ما عمّق أزمتها و قصورها على إبلاغ صوتها إلى المواطن.
وضع صعب جدا
إلى ذلك، اتفق المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة عبد السلام الزبيدي مع مديري المؤسسات الإعلامية في تشخيص الوضع الذي اعتبره "صعبا جدا".
وأشار إلى أنه ناتج عن مسائل قانونية بفعل الإنفتاح الحاصل بعد الثورة والمرسومرقم 15 الذي جعل إصدار الصحف بالإعلام وليس بالترخيص دون دراسة الجدوى الإقتصادية من ذلك.
وتحدث الزبيدي لـ"إيلاف" عن طريقة إسناد الإشهار العمومي، وذلك درءا وابتعادا عن شبهات الفساد، فقد تحوّل الإشهار إلى "من يدفع أقل" وهو ما ساهم في تضرّر المؤسسات الإعلامية وفيه إشكال قانوني وهيكلي.
قانوني وهيكلي
أشار الزبيدي إلى جانب قانوني وهيكلي وتشريعي يحتاج إلى كثير من الوقت.
وقال: "أمام رئاسة الحكومة الحالية مطالب واضحة لأهل القطاع تتلخص مجملها في الدعم المباشر أو غير المباشر من الدولة لهذه المؤسسات، اعتبارا إلى أنّ حماية التعددية والتنوع من واجبات الدولة".
أضاف الزبيدي: "الحكومات السابقة فتحت الملفات فعلا وتمت اللقاءات ولكن الحصاد لم يكن بقدر المأمول لأسباب عديدة ولا علاقة لذلك بتركيع الإعلام وإنما بتشعب الملفات وتغير الأجندات، فالحكومة اختارت الإنكباب على هذه المشاكل القطاعية وهي الآن تدرس الحلول الضرورية قبل دعوة الأطراف ذات العلاقة.
دعم الدولة
واستشهد بن سعيدة بالمغرب الذي يرصد نحو 12 مليون دينار دعما مباشرا للصحف التي تقوم بإيصال المعلومات إلى المواطنين في كل مكان، مؤكدا أن أسعار الورق والطباعة والتوزيع تضاعفت بينما حافظت الصحف على أسعارها، وأوضح أنّ بعض الصحف رفضت الترفيع في الأسعار بهدف إغراق البقية.
تنظيم الإشهار
وشدّد الزهار على ضرورة تنظيم قطاع الإشهار في تونس حتى يكون أكثر شفافية وموضوعية في التوزيع وهو ما جعل أغلب الصحف بما فيها العريقة يتهدّدها الإفلاس و الغلق.
وضرب مثال جريدة "الصباح" العريقة التي تصرف 80% من مداخيلها في رواتب الموظفين إلى جانب مليارات من الديون، كما أنّ صحيفة "لابراس" تعيش خسارة بين 3 و4 ملايين دينار، وبالتالي ليس هناك غير الصحف التي لا تعيش ضائقة مالية بفضل المال السياسي الفاسد.
بينما يقترح هادي يحمد تدخل الحكومة من أجل تنظيم الإشهار ومساعدة الصحف، مشيرا إلى أن مديري الصحف الورقية يتمسكون بالأسلوب التقليدي للصحافة الورقية وعدد كبير منهم تنبهوا إلى أهمية الصحافة الإلكترونية.
أما المستشار الاعلامي لرئاسة الحكومة، فيقول لـ"إيلاف" إنّ الحكومة منكبّة على إيجاد حلول تفصيلية لمجمل الإشكاليات وقريبا ستتم دعوة جامعة مديري الصحف ونقابة أصحاب المؤسسات الإعلامية.
وأبرز أنّ قطاع الإشهار بدون هيكل يراقبه وينظمه أحدث خللا وإشكالا كبيرا وللحكومة تصوّر عملي ستعرضه على المعنيين بالقطاع مباشرة لدراسته.