الكثير من الرفق واللين... والكثير من العلاقات العامة
"النصرة" في سوريا بيّضت وجهها خلال تسليم الراهبات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بثت "جبهة النصرة" تسجيلا مصورا لعملية تسليم راهبات معلولا، وبدا المقطع وكأنه معدّ خصيصا لتحسين صورة التنظيم الذي يمثل القاعدة في سوريا، إذ احتوى على الكثير من اللطف ومشاهد الرفق ودعوات المحبة التي نسفت لدى كثيرين الصورة النمطية للقاعدة في الأذهان.
إسماعيل دبارة من تونس: طوي ملفّ راهبات معلولا بالإفراج عنهنّ فجر الاثنين ووصولهن إلى دمشق. ومن الواضح للوهلة الأولى أنّ لا خاسر ولا رابح في الصفقة التي أبرمت بين الطرفين بوساطة قطرية - لبنانية، ونالت رضا الجميع، أو هكذا يبدو.
ربما ستتكشّف لاحقا تفاصيل أوفى عن "الصفقة" التي تم إبرامها بين فرع تنظيم القاعدة في سوريا، ونظام بشار الأسد. خاصة وأنّ التلفزيون الرسمي السوري أفرد مساحة واسعة لتغطية نبأ الإفراج عن الراهبات يوم الأحد، لكنه لم يشر إلى أي اتفاق لتبادل سجناء.
وبث التلفزيون تغطية مباشرة للحدث من الحدود مع لبنان وأجرى مقابلات مع قيادات كنسية ندد أحدهم بالغرب قائلا إنه "لا يعبد إلا الدولار".
والاثنين، أطلق سراح عشرات المعتقلات السوريات ويُنتظر الإفراج عن باقي العدد المتفق عليه بموجب الصفقة التي تقضي بأن يفرج النظام السوري عن 153 سجينة، مقابل الإفراج عن راهبات دير مار تقلا بمعلولا، بعد وساطة قطرية استغرقت أشهراً.
"النصرة" في ثوب جديد !
"جبهة النصرة" التي تعتبر الممثل الحقيقي لتنظيم القاعدة الإرهابي في سوريا، والطرف المُختطف للراهبات، لم تعوّل كثيرا على وسائل إعلام النظام السوري ومن يدور في فلكه، لنقل تفاصيل عملية تسليم الراهبات التي تمت على الحدود اللبنانية السورية.
فقد قام التنظيم بتوثيق العملية منذ بدايتها، إلى حين تسليم الراهبات إلى الجانب الأمني اللبناني، وبث مقطع فيديو من ست دقائق، بدا مثيرا للغاية.
لا أثر في هذا المقطع لتفاصيل الصورة النمطية التي يحملها العالم عن تنظيم القاعدة، فلا دماء ولا صراخ ولا ذبح ولا رصاص، إنما شبان ملثمون وسيارات دفع رباعي تم تمويه وتعتيم لوحاتها المنجمية، وكلام معسول ودعوات بالخير والسلام والمحبة !
الله يعطيكم ألف عافية !
حسب تجارب سابقة، وعندما يقع المسيحيون في قبضة القاعدة في أي مكان في العالم، فالنتيجة التراجيدية معروفة ولا تستحق اجتهادا، فهم إما يقتلون بدم بارد، أو يتم تحريرهم بالقوة.
لكن أن يتم تسليم راهبات مسيحيات بشكل يبدو في غاية اللطف، فهذا قد يوحي بالكثير والجديد.
يبتهل الملثمون التابعون لجبهة النصرة في المقطع، إلى الله ليحمي الراهبات، ولكي يصلن سالمات إلى الأيادي اللبنانية.
يهتف الخاطفون بلهجة سورية: "حمدلله على سلامتكن... الله يعطيكن ألف عافية... الله يحميكن يا رب".
وتردّ الراهبات بالمثل وبدعوات أكثر تهدجا وصدقًا.
يحمل "جهادي" راهبة مسيحية متقدمة في السن، ويبدو أنها لا تستطيع التحامل على نفسها والسير كالبقية، ربما لمرض ألمّ بها أثناء الأسر.
يحملها حسب الفيديو بلطف ورفق شديدين بين ذراعيه، ويضعها في السيارة المخصصة لها، داعيا لها بسلامة الوصول.
ويقول: "انبسطت (سعدت) جدا بالتواصل معكنّ"، وعندما انطلق موكب الراهبات نحو الحدود اللبنانية السورية مازح عنصر "النصرة" إحدى الراهبات قائلا: "اكثر واحدة فرحانة هو إنتِ!" وذلك بعد أن لاحظ عليها سعادة غامرة بقرب تحررها من قبضة خاطفيها.
ردت الراهبة: نعم انا فرحانة وكلنا فرحانين، فقال الجهادي الذي يحمل آلة التصوير: "ونحن أيضا فرحانين، ونضل فرحانين لما تصولوا بخير وسلامة".
وتتواصل المعاملة اللينة بين الجانبين في ذات المقطع الذي بثته "النصرة"، وبعثت إحدى الراهبات بسلام حار إلى (أبو مالك) ويبدو أنه كان شخصية محورية في اختطاف الراهبات والعناية بهن طوال أشهر احتجازهنّ، ووصفته بـ"الإنسان الشريف".
وودع الجهاديون الراهبات بالدعاء والتكبير ورفع أعلام "النصرة" السوداء.
حملة علاقات عامة
تنافست الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) و"جبهة النصرة" كثيرا لنيل رضا التنظيم الأم بقيادة أيمن الظواهري، ولكن يبدو أن الغلبة في النهاية كانت لجبهة النصرة التي اعتبرت رسميا ممثلا لتنظيم القاعدة في سوريا. ثم حصلت المواجهة بين الطرفين.
قدمت (داعش) التي تستلهم أفكار القاعدة الصورة النمطية للتنظيم الذي يقتل المسلمين وغير المسلمين على حد سواء، المسلحين والمدنين، يذبح بلا تروٍ، ويقتل على الهوية ويفجّر بلا حساب.
وقد حاولت في فترة ما، سبقت إعلان "النصرة" رسميا فرعا للقاعدة في سوريا، على تحسين صورتها.
وأطلقت حملة "علاقات عامة"، قوامها تخصيص يوم أطلق عليه "يوم المرح" في إطار حملة ترمي إلى تحسين الصورة وكسب الدعم في مدينة حلب التي تمزقها نيران الحرب المتواصلة.
ونظمت (داعش) مهرجانا رمضانيا غلبت عليه أجواء المرح، واشتمل على نشاطات من بينها لعبة شد الحبل ومسابقة لتناول الآيس كريم من دون أيدٍ. والخطوة كانت تهدف إلى كسب ودّ السوريين وتغيير صورة القاعدة في أذهانهم.
لكن الأمر لم يدم طويلا، وعادت (داعش) إلى دمويتها.
يبدو أن "جبهة النصرة" وعت الدرس، وأدركت قيمة الاعلام وتعاطف الناس في حربها الضروس ضدّ الأسد وجيشه، فالفيديو الذي تم بثه وحاول معدّوه قدر الإمكان عدم التركيز على السلاح الذي يحمله بعض الملثمين، وانتقاء شبان سوريين يتحدثون اللكنة السورية دون مشاركة حملة الجنسيات الأخرى، يصب في خانة حملة علاقات عامة لتحسين صورة التنظيم.
ويشارك آلاف من العرب ومئات من الغربيين في القتال الدائر في سوريا، ويعتقد مراقبون أن جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام، هي التي تستقطب الجهاديين العرب، في حين تتمسك "النصرة" باستيعاب المقاتلين السوريين.
وفي حين يحمل اسم زعيم (داعش) لقب البغدادي (أبو عمر)، فإن زعيم النصرة يحمل لقب الجولاني، (أبو محمد) كدلالة على "محلية" التنظيم.
تجنبت "النصرة" في فيديو عملية التسليم، الهتافات الجهادية المألوفة، واكتفى ملثموها بالتكبير، ولم تطلق صيحات وعيد الكفار والنصارى والصليبيين والرافضة كما جرت العادة في فيديوهاتهم، والغاية تبدو واضحة.
وفي العام 2010، قال محللون ومتابعون لشؤون الجماعات الجهادية، إنّ تنظيم القاعدة أطلق حملة علاقات عامة لتحسين صورته التي شوهها كثيرا زعيم القاعدة في العراق، المقتول أبي مصعب الزرقاوي.
وأطلق التنظيم مجلته الالكترونية الانكليزية "انسباير"، والتي حملت لهجة مخففة تخاطب الشباب الغربي وتكسب ودّه.
عزل "داعش" والاعتراف بـ"النصرة"
صفحة "الثورة السورية ضد بشار الأسد" على فايسبوك، والتي يقال إن المشرفين عليها ينتمون لما يعرف باسم "تنسيقيات الثورة"، وتنآى بنفسها عن الجهاديين، بثت فيديو النصرة الذي يوثق تسليم راهبات معلولا.
واختلف المعلقون حوله، ورأى البعض أن "النصرة" تريد- بدعم من قطر- أن تكون مكونا رئيسًا ضمن مكونات المعارضة المسلحة السورية، خاصة بعد اتفاقها مؤخرا مع فصائل تحسب على "المعتدلين" على قتال داعش بلا هوادة.
ونفى كثير من المعلقين تهمة "التطرّف" عن جبهة النصرة، في حين حذّر آخرون من ارتكاب نفس "الحماقة" التي جعلت ثوار سوريا يرحبون بداعش ويقاتلون الأسد جنبا إلى جنب معها في البداية، ثم يتبرؤون منها ويقاتلونها.
واعتبروا أن وجه "النصرة" الحقيقي، سينكشف قريبا، لأنها لا تقل تطرفا عن داعش، ولأنها نالت رضا أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة، وهو سبب كافٍ، حسب معلقين، لمنع التقائها مع الثائرين على حكم بشار الأسد.