أتقن الألمانية للتجسس على برلين
ميركل تخشى سياسة بوتين المستقبلية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ليس لدى المستشارة أنغيلا ميركل، بوصفها المانية شرقية سابقًا، أوهام بشأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أتقن اللغة الألمانية حين كان ضابطًا في المخابرات السوفيتية ليتجسس على ألمانيا الغربية من الشرقية إبان الثمانينات.
ترى ميركل في طموحات بوتين الإمبراطورية عودة إلى الوراء، لا مكان لها في أوروبا ما بعد الحداثة وإحياء "لحقبة النزاعات على مناطق النفوذ والدعاوى الإقليمية التي نعرفها من القرنين التاسع عشر والعشرين، نزاعات كنا نظن أننا تجاوزناها"، كما أعلنت ميركل أمام البرلمان الألماني في 13 آذار/مارس.
أضافت ميركل أن المانيا وحلفاءها سيصعدون خطواتهم تدريجيًا ضد بوتين إذا لم يتوقف. واستبعدت المستشارة الألمانية اندلاع حرب ساخنة، لكنها لم تستبعد نشوب حرب اقتصادية.
لهجة تصعيدية
ولاحظ مراقبون أن مثل هذه اللهجة الشديدة جديدة بمعايير السياسة الخارجية الألمانية عمومًا، وعلاقاتها مع روسيا على وجه الخصوص. إذ كانت ألمانيا تقليديًا تفضل التواصل على المواجهة حين يتعلق الأمر بالتعامل مع روسيا. وكان شعارها "التغيير من خلال التجارة"، وترك ليّ الأذرع والتلويح بالعصا الغليظة لدبلوماسية راعي البقر الأميركي.
وكان غيرهارد شرودر سلف ميركل مضى شوطًا أبعد في هذه السياسة، حتى إنه وبوتين أصبحا أصحابًا، وبعد هزيمة شرودر في الانتخابات انضم إلى مجلس إدارة شركة أنابيب تنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا.
وما زال شرودر يتعاطف مع بوتين قائلًا إن ما فعله في القرم لا يختلف عن تدخل حلف الأطلسي في كوسوفو عام 1999. ولكن ميركل ردت واصفة ذلك بأنه مقارنة "معيبة"، وأن حلف الأطلسي تدخل في كوسوفو لوقف مجازر.
لكن سياسة ألمانيا تجاه روسيا في عهد ميركل ووزير خارجيتها، فرانك فالتر شتاينماير، ستبقى أشد حذرًا مما ينتظره منها حلفاؤها الذين يريدون موقفا أشد حزمًا. وتبدت طريقة ميركل التدريجية في إدارة الأزمات خلال أزمة اليورو.
أهمية المخارج
وكان وزير خارجيتها شتاينماير مدير مكتب شرودر، وهو يشاطرها هذه السياسة، أعلن خلال ندوة حول أسباب الحرب العالمية الأولى أن أهم الدروس المستخلصة منها هو ما يحدث عندما "يتوقف الحوار وتفشل الدبلوماسية". وشدد وزير الخارجية الألماني على أن ما له أهمية حاسمة هو "ألا ندخل في طرق مسدودة، بل أن نصنع مخارج".
تقتضي هذه السياسة أن تأتي العقوبات والإجراءات الأخرى خطوة فخطوة، لمنح بوتين فرصة تلو فرصة، كي يتوقف عن مواصلة التصعيد. وبحسب مجلة الإيكونومست فإن "ميركل وشتاينماير يتحدثان مع المسؤولين الروس أكثر من سائر القادة الغربيين الآخرين، بمكالمات يومية تقريبًا طيلة الأسابيع الماضية، ومهما يحدث فإن ألمانيا ستواصل التحادث" معهم.
ويعترف المسؤولون الألمان بأن الخطوات الأولى بوقف المحادثات حول تسهيل إجراءات منح التأشيرة وإدراج عدد من المسؤولين الروس على القائمة السوداء لم تكن مؤثرة، ولكن الخطوات التالية التي سترتدي شكل عقوبات اقتصادية يمكن أن تكون أشد وطأة.
ويرى محللون أن ألمانيا أيضًا ستتضرر بهذه العقوبات. مشيرين إلى أن 300 ألف فرصة عمل تعتمد على صادرات ألمانيا إلى روسيا، رغم أن الأخيرة جاءت في المركز الحادي عشر بين شركاء ألمانيا التجاريين عام 2013. في المقابل تستورد ألمانيا من روسيا 36 في المئة من حاجتها إلى الغاز، و35 في المئة من حاجتها من النفط.
العقوبات بالعقوبات
قد ترد روسيا على العقوبات الاقتصادية بخفض صادراتها من النفط والغاز إلى ألمانيا. وقال تقرير أصدره مركز الدراسات السياسية الأوروبية في بروكسل إن لدى الاتحاد الأوروبي احتياطات كاملة، ويمكن أن يزيد استيراد الغاز من الجزائر والنروج ونيجيريا، وإن كان ذلك سيكلفه أكثر.
لكن مجلة الإيكونومست نقلت عن الخبير في المنتدى الألماني - الروسي ألكسندر رار أن هدف الاستغناء عن الغاز الروسي ما زال يبعد سنوات في أحسن الأحوال.
وهناك العديد من الخطوات المحسوبة الأخرى يمكن اتخاذها قبل الوصول إلى هذه المرحلة من التصعيد. وإذا وصل الموقف إلى هذه المرحلة، فإن الشركات الألمانية والألمان عمومًا سيدعمون ما تتذخه برلين من إجراءات جذرية، ولكن بعد أن تكون ميركل جربت كل الخيارات الأخرى.