تجاوزات وتهويل وشتائم وإشاعات وحضّ على العنف
مرصد المواطن في تونس يكشف فوضى الإعلام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تجربة "مرصد المواطن للإعلام" في تونس هي الأولى من نوعها في هذا البلد، وربما في المنطقة العربية برمتها. فقياس مهنية الإعلام ورصد تجاوزاته بالأرقام ووفق المعايير المعمول بها دوليًا ليس أمرًا متداولاً.
محمد بن رجب من تونس: أقرّ تقرير حديث لمرصد تونسي يهتم بقياس مهنية الإعلام، بوقوع عشرات الانتهاكات والتجاوزات الحاصلة منذ ثورة 14 يناير 2011.
وحسب تقرير "مرصد المواطن للإعلام" المتعلّق بـ"قياس أداء الإعلام الورقي في تونس"، فإنّ عدد التجاوزات المرصودة تجاوزت عدد المقالات، فـ"ليس هناك مقال يخلو من خلل أو انحياز أو دعوة إلى الكراهية والعنف".
أزمة ثقة شعبية
أكد التقرير نصف السنوي الأخير لمرصد المواطن للإعلام وجود إقرار واسع حاليًا في الساحة التونسية بأن كثيراً من وسائل الإعلام بعد الثورة "أصبحت محل خضوع لكثير من الرغبات والأهواء كما أصبحت محل استقطابات مالية وإيديولوجية وسياسية قوية في مناخ سياسي انتقالي تغلب عليه التجاذبات السياسية والخطابات المتشنجة".
شدّد التقرير على وجود أزمة "ثقة شعبية حادة في وسائل الإعلام التونسية متمثلة في الشعور بأن جزءًا كبيرًا من الإعلام مازال موجّهًا ولا يتمتع بالمصداقية والحيادية الكافيتين، فضلاً عن استمرار ارتباطه بمنظومة الفساد والإستبداد التي أطاحت بها الثورة".
مراقبة حرية التعبير
يقول نبيل اللباسي رئيس "مرصد المواطن للإعلام" إنّ المرصد يعمل على تطوير أداء الإعلام التونسي عبر مراقبة حرية التعبير في وسائل الإعلام ومراقبة ومعالجة المعلومات من مختلف وسائل الإعلام التونسية المكتوبة والمسموعة والمرئية والإلكترونية، وتوازن عناوينها الرئيسية وتغطيتها للأحداث و مراقبة الدعاية والتوظيف السياسي والإيديولوجي المتخفي في ثنايا المعلومة ومراقبة التحالفات الإعلامية والمالية والسياسية التي من شأنها الضرر بجودة المعلومات.
ويعتبر "المرصد" تجربة نادرة في المنطقة العربية، ويخضع لمنهجية علمية صارمة في تقييم أداء وسائل الاعلام، ويقف وراء إعداد تقريره الاول باحثون جامعيون وصحافيون وإداريون.
معايير القياس
بيّن نبيل اللباسي رئيس المرصد (وهو محامٍ معروف) لـ"إيلاف"أن المرصد "قام ببحث واسع لحصر معايير القياس المعتمدة لدى عدد من الهيئات الصحافية الدولية، ثم اختار منها واحدًا وعشرين معيارًا بإعتبارها أكثر تعلقًا بالقضايا الوطنية المرصودة ومنها عدم احترام التوازن، والتحيز الممنهج في معالجة المعلومات والتحريض على الكراهية الدينية أو القبلية أو العرقية والتحريض على العنف وانتهاك كرامة الإنسان وانتهاك مبدأ افتراض البراءة حتى تثبت الإدانة وتبرير جريمة من الجرائم وتقديس أو انتقاص الشخصيات وانتهاك الحشمة والآداب العامة واستعمال العبارات المسيئة والسب والقذف والتمييز الديني والقبلي والعرقي والتصريحات التمييزية وغيرها".
رصد الأخطاء
تم اختيار الصحف التالية (بالعربية والفرنسية) ورصد محتواها في الفترة من 15 يوليو 2013 إلى 14 يناير 2014 وهي: الشروق والمغرب والضمير والتونسية والصريح ولابراس ولوطون والصباح الأسبوعي وتونس هبدو إلى جانب الصحيفة الإلكترونية الصباح نيوز.
واشتملت العينة 29523 مادة إعلامية ما بين خبر ومقال وتحقيق وحوار وصورة.
وتكشف إحصائيات العيّنة أن جريدة "الشروق" اليومية هي الأكثر نشرًا لمواد متعلقة بالقضايا المرصودة بنسبة 23% من مجموع المواد تليها الصريح 19% والمغرب 18%.
تحيّز ممنهج
من جملة المعايير المعتمدة الـ 21 أظهرت الإحصائيات أن عدم احترام التوازن والتحيز الممنهج هو الأكثر تكرارًا بنسبة 11.11% يليه التخويف في العناوين والمضامين بنسبة 6.43% والتصريحات التمييزية بنسبة 5.41% وتضخيم أو انتقاص الشخصيات بنسبة 4.47% والتحريض بنسبة 3.83%.
فيما عدا ذلك، التزمت صحف العينة ببقية المعايير المهنية، حيث لم تتعدّ التجاوزات فيها نسبة بين 1 و2%، حسب تقرير المرصد.
الأحزاب السياسية
بيّنت الإحصائيات أن أكثر الأخطاء الإعلامية في صحف العيّنة تقع في تغطية نشاط الأحزاب السياسية، إذ تم إحصاء 4272 خطأ في عناوين ومضامين 29515 مادة مرصودة ثم في تغطية النشاط الرئاسي والحكومي بـ 2055 خطأ ثم التشهير بـ 2040 خطأ.
وبعيداً عنها، تتقارب كمية الأخطاء في تغطية نشاط المجلس التأسيسي والهيئات العليا والمؤسسة الأمنية.
أما من حيث التعاطي السلبي، فأظهرت الإحصائيات أن الإسلاميين هم الأكثر تعرضًا للتعاطي السلبي من قبل صحف العينّة 1383 مرّة يليهم العلمانيون 226 مرّة ثم الشيوعيون 101 مرة فقط.
المرجعية القانونية والأخلاقية
أشار الإعلامي نصر الدين بن حديد إلى أنّ القول: "ليس هناك مقال يخلو من خلل أو انحياز أو دعوة إلى الكراهية والعنف"، فيه الكثير من المبالغة حيث لا يمكن مراقبة الكميات الهائلة مما يصدر في الصحف الورقية والإلكترونية، وبالتالي لا بد من قراءة موضوعية للواقع.
وقال بن حديد لـ"ايلاف" إنّ الوضع الحالي للإعلام في تونس "متردٍّ على مستوى الممارسة المهنية أو أخلاقيات المهنة أو حتى الضوابط الأخلاقية العامة المنصوص عليها في المراجع القانونية".
وشدد على أنه "يمكن تجاوز ذلك من خلال رد الإعتبار إلى المرجعيات الصحافية كنقابة الصحافيين والمركز الأفريقي للتدريب، فما يميز هذه الفترة هو عدم وجود سلطة، فكل تقرير صدر تمّ الطعن فيه من ذلك الكتاب الأسود (تقرير صادر عن الرئاسة حول الصحافيين المتعاونين مع الرئيس السابق)، على اعتباره قراءة للوضع الإعلامي، وكذلك تقرير نقابة الصحافيين، إذ لم تعد هناك مرجعية قانونية وأخلاقية".
وأكد بن حديد أنّ الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري "غير محايدة وغير مهنية واجتزائية في مقاربتها ومتحاملة في قراراتها".
أمثلة عن "التهويل"
من جهته، قال نبيل اللباسي إنّ المرصد يواصل تتبّع عديد الأخطاء والتجاوزات، فيتم تسجيلها بمتابعة فريق يقوم بعمل مسترسل.
ويتضمن موقع المرصد بعض الأمثلة عن التجاوزات الخطيرة، فقد ورد في غلاف جريدة "الشروق" في عددها الصادر يوم الخميس 24 أبريل 2014 عنوانًا بالخط العريض: "صاروخ يقضي على مجموعة ارهابية"، وهو حسب المرصد، "عنوان خيالي يجعل القارئ من الوهلة الأولى للغلاف يتخيل أحداثاً مخيفة ومرعبة صلب المقال".
وعند قراءتنا له "لاحظنا هيمنة معيار التخويف ومضموناً يساهم في البلبلة والتآمر على أمن الدولة".
كما نشرت جريدة "البيان" في صفحتها الثامنة ليوم الإثنين 21 أبريل 2014، خبراً بعنوان "أبو عياض يحضر لاغتيال آمال كربول" (أبو عياض جهادي تونسي بارز، وآمال كربول هي وزيرة السياحة الحالية).
وهو خبر يساهم في البلبلة والتآمر على أمن الدولة.
وفي تحقيق صدر بجريدة "الصريح" تحت عنوان "خطة استرجاع الجبل"، بتاريخ 23 أبريل 2014، استهل الكاتب مقدمة التحقيق بعدد مفزع "260" مغارة دون الاستناد الى أي مصدر موثوق.
هذا الرقم يوحي - حسب ما ورد في موقع المرصد- بحرب ضارية مع الارهاب لكن الواقع يعكس صحة ما ورد، لأن القوات العسكرية والأمنية مسيطرة على الوضع ومن خلال عنوان المقال والعدد، يبدو أنّ كاتب المقال سقط في فخ التعامل السلبي مع ظاهرة الارهاب التي تسعى بدورها الى البحث عن تسليط الأضواء لنشر عملياتها الاجرامية.
هذا التضخيم والتهويل الاعلامي لظاهرة الإرهاب "يخدم أجندات العصابات الارهابية ويساهم عبر صناعة الفزّاعات في تسويق الرعب والخوف في صفوف الرأي العام".
يشار إلى أن تونس تعيش فوضى اعلامية منذ هروب زين العابدين بن علي الى السعودية في 14 يناير 2011، ولم تفلح كافة الجهود التي بذلتها الحكومات الانتقالية المتعاقبة في فرض سلطة القانون على وسائل الاعلام واجتهادات الصحافيين، فانتشرت الاشاعة والشتيمة والأخبار الزائفة والتحقير بشكل غير مسبوق، ومثل عدد كبير من الصحافيين أمام القضاء بتهم مختلفة.