اتهامات لمعدّيه بضرب علوية الدستور والهوية الوطنية
الدستور التونسي باللهجة الدارجة ليستوعبه البسطاء والأميون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
قامت منظمة تونسية غير حكومية بإعداد نسخة من الدستور التونسي الجديد الذي تم اقراره في 26 كانون الثاني/يناير 2014، باللهجة التونسية الدارجة، بهدف تسهيل وصول مضامينه الى الأميين والبسطاء، لكن الخطوة خلّفت انتقادات واسعة.
محمد بن رجب من تونس: أعلنت الجمعية التونسية للقانون الدستوري أنها ستصدر قريبًا نسخة من الدستور التونسي باللهجة العامية التونسية (الدارجة).
وبررت الجمعية ذلك بأنها "حريصة على تبسيط فصول الدستور وتقريبه من كل التونسيين حتى يكون كل مواطن على دراية بحقوقه وواجباته التي يكفلها له الدستور".
وقال شوقي قداس، الامين العام للجمعية التونسية للقانون الدستوري، إن الجمعية تريد أيضًا إعداد تسجيلات صوتية للدستور باللهجة العامية قابلة للتحميل في شكل ملفات "إم بي 3" حتى تصل إلى أكبر عدد ممكن من التونسيين.
واعتبر البعض تحويل نسخة من الدستور من اللغة العربية إلى اللهجة العامية "حطًّا من قيمة الدستور وعلويته"، و"ضربًا للهوية الوطنية"، بينما يرى آخرون أنّ المواطن التونسي من حقه أن يعرف جيداً ما يحويه دستوره ويفهم مختلف فصوله حتى يكون على دراية تامة بحقوقه وواجباته.
اللهجة العامية
أرجع رئيس "الجمعية التونسية للقانون الدستوري" فرحات الحرشاني التفكير في ترجمة الدستور التونسي المصاغ باللغة العربية الفصحى إلى اللهجة العامية التونسية إلى الإستعمال الكبير للهجة الدارجة من طرف وسائل الإعلام ورجال السياسة حتى يكونوا أكثر قربًا من الرأي العام التونسي.
وأضاف الحرشاني وهو أستاذ في القانون الدستوري لـ"إيلاف" إنّ جمعيته ستقدّم نسخة من الدستور الجديد إلى التونسيين جميعًا بطريقة مبسّطة ولهجة يستوعبها المواطن العادي في كل مكان، ليكون قادرًا على معرفة ما له وما عليه.
وشدّد الحرشاني على أنّ هذه النسخة باللهجة العامية "لن تكون لها أية صبغة قانونية أو رسمية" ولا يمكن استعمالها في المحاكم للتقاضي بها.
عملية بيداغوجية
من جهته، أكد الكاتب العام للجمعية التونسية للقانون الدستوري شوقي قداس أنّ نسخة الدستور باللهجة العامية جاهزة بعد أن تمّت العملية بنجاح من خلال عمل فريق متكامل استعان بمختص في التواصل حتى تكون الصياغة جيدة وتصل المفردات المختارة إلى المواطن العادي بيسر ودون تعقيد، مشددًا على أنّ غاية الجمعية هي أن يكون الدستور قريبًا جدًا من كل المواطنين عكس ما عليه الحال مع دستور 1959.
وبين أنّ العملية بيداغوجية بحتة تحاول أن تقرّب فصول الدستور ومضامينه من كل التونسيين.
وأشار قداس لـ"إيلاف" الى أنّ أكثر من 300 جمعية طلبت بتمكينها بنسخة من الدستور الذي لن يتمّ بيعه.
نماذج من الفصول
وبيّن قداس بعض الفصول المترجمة إلى اللهجة العامية ومنها الفصل الثالث وفي صيغته الرسمية الفصحى: "الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطات، يمارسها بواسطة ممثليه المنتخبين أو عبر الاستفتاء".
وأصبح بعد ترجمته إلى العامية: "الشعب هو صاحب السيادة يعني الكلمة الإخّرة ليه وهو أصل السلطات الكلّ إلّي يمارسها إمّا بطريقة غير مباشرة وقتلّي يوكّل عليها نواب ينتخبهم وإلاّ بطريقة مباشرة عن طريق الاستفتاء يعني وقتلّي يطلبو منّو باش يقول "إيّ" وإلاّ "لا" على مشروع قانون وإلاّ على نص دستوري وإلا على أيّ مسألة تشاورو فيها السلطة".
وترجم الفصل السابع الأصلي "الأسرة هي الخلية الأساسية المجتمع، وعلى الدولة حمايتها"، ليصبح "الأسرة هي الساس متاع المجتمع والدولة يلزم تحميها".
أما الفصل الحادي والثلاثون "حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة. لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات"، فأصبح: "حرية الرأي والتفكير والتعبير والإعلام والنشر مضمونة يعني انو كل واحد نضمنولو حقو باش يفكر كيما يحب ويقول اللي يحب ويكتب كيما يحب".
أما الفصل التاسع والثلاثون ومضمونه: "التعليم إلزامي إلى سن السادسة عشرة. تضمن الدولة الحق في التعليم العمومي المجاني بكامل مراحله، وتسعى إلى توفير الإمكانيات الضرورية لتحقيق جودة التربية والتعليم والتكوين. كما تعمل على تأصيل الناشئة في هويتها العربية الإسلامية وانتمائها الوطني وعلى ترسيخ اللغة العربية ودعمها وتعميم استخدامها والانفتاح على اللغات الأجنبية والحضارات الإنسانية ونشر ثقافة حقوق الإنسان"، فتُرجم إلى: "يلزم الناس الكل تمشى للمكتب حتى لعمر سطاش سنة على الأقل".
حملة مغرضة
استغرب شوقي قداس الكاتب العام للجمعية التونسية للقانون الدستوري "الحملة المغرضة" على حد تعبيره، التي تشنّها أطراف على صفحات فايسبوك، رافضة هذه النسخة "العامية" الموجهة أساساً إلى كل التونسيين وخاصة الأميين منهم، مؤكدًا أنّ كل الإتهامات الموجهة إلى الجمعية بتحقير اللغة العربية والتشجيع على استعمال اللهجة العامية حتى في المسائل الرسمية تعود إلى رؤية سطحية وجهل بحقيقة الهدف الذي نروم تحقيقه وهو فهم نصّ الدستور واستيعاب مضامينه من خلال تقريبه من كل التونسيين.
ضرب الهوية
قال الإعلامي والكاتب عادل السمعلي إنّ " كتابة الدستور باللهجة العامية الدارجة من طرف ما يسمى جمعية القانون الدستوري هو محاولة جديدة لخلط الاوراق ولضرب أحد مقومات الهوية المتمثلة في اللغة العربية".
وأضاف السمعلي لـ"إيلاف": "إنهم يمعنون في التلبيس على الناس حين يؤكدون أن الترجمة/الدبلجة بالعامية قام بها خبراء وأكاديميون ونحن لا نعلم أنّ في هذا البلد أساتذة أو دكاترة أو حتى مختصين في اللهجة العامية".
ومضى قائلاً: "يظن البعض أن الشعب التونسي غبيّ وغير واعٍ بما يجري حوله من مشاريع مشبوهة تقف وراءها أطراف مجهولة"، مشيرًا إلى أنّ لتونس أكثر من لهجة عامية وبالتالي بأي لهجة تظهر هذه النسخة المشبوهة؟ بلهجة سكان تونس العاصمة أو بلهجة جهة الساحل أم بلهجة جهة الجنوب القريب من ليبيا أو القريب من الجزائر، ألا يمثل هذا التنوع والإختلاف أكبر إشكال؟
سيناريو بيرسيبوليس
وتساءل السمعلي: "أليس الهدف الخفي من هذه الترجمة هو ضرب مقومات الهوية الوطنية العربية، وذلك بضرب اللغة العربية وتكريس للهجة الدارجة ولهجات أخرى والتشجيع على استعمال اللهجة العامية في وسائل الإعلام حتى تصبح "اللغة الأولى" في تونس وينحو المتعلم نحو استعمالها حتى في المدارس والمعاهد التونسية؟
وأشار السمعلي إلى وجود تقارب بين ترجمة الدستور التونسي إلى اللهجة العامية وبين دبلجة فيلم "بيرسيبوليس" أو "بلاد فارس" باللهجة الدارجة في خريف 2011 وتم بثه على قناة نسمة، مما أثار احتجاجات واسعة حينها.
وشدد على تأكد الجميع من خلفيات ذلك وتداعياته على أمن واستقرار البلاد.
وكانت قناة نسمة قد عرضت فيلمًا فرنسياً ايرانياً مثيراً للجدل "بيرسيبوليس" يوم الجمعة 07 أكتوبر/ تشرين الاول 2011، وهو عبارة عن سيرة ذاتية أخرجه مرجان سترابي بطريقة الرسوم المتحركة.
ويحكى الفيلم قصة فتاة إيرانية خلال ثورة عام 1979 ويحتوي مشهدًا حواريًا بين الفتاة والذات الإلهية التي ظهرت على شكل رجل ذي لحية بيضاء. وهو ما هزّ البلاد حينها وتظاهر تونسيون حينها وعبروا عن غضبهم على عرض الفيلم والمس بالذات الإلهية.