لأول مرة في تاريخ العراق
الموصل بلا مسيحيين!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في سابقة هي الأولى في تاريخ العراق، فرغت الموصل من مسيحييها، الذين تركوها بعدما خيرتهم داعش بين الاسلام أو دفع الجزية أو الخروج بثيابهم فقط.
بيروت: تحت التهديد بالسيف، يغادر المسيحيون الموصل للمرة الاولى في تاريخ العراق، مخلفين وراءهم كنائس ومنازل ومحلات وحياة ماضية، في مدينة انقلبت معالمها ما أن سيطر عليها تنظيم الدولة الاسلامية المتطرف قبل أكثر من شهر.
تهجير فسلب
ورغم أن التنظيم، الذي اعلن قيام الخلافة الاسلامية من الموصل، امهل المسيحيين حتى السبت للمغادرة، الا أن فادي وهو معلم وأب لطفل رفض ترك الموصل حتى لو كلفه ذلك حياته. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية: "نحن ميتون انسانيًا، ولم يبق لدينا سوى هذه الروح، فاذا ارادوا أن يقطعوا هذه الروح، فأنا مستعد لذلك، لكنني لن اغادر مدينتي التي ولدت وتربيت فيها".
اضاف: "فرت 25 عائلة من اقربائي الجمعة، عن طريق تلكيف والحمدانية، لكنهم تعرضوا للسلب، ونهبت جميع مقتنياتهم من أموال وذهب واجهزة هاتف وملابس، وحاول عدد من الشباب الاحتجاج على هذه التصرفات، ما اثار غضب المسلحين ودفعهم إلى الاستيلاء على السيارات، ودفعوهم للسير على الاقدام إلى دهوك".
لأول مرة
وكان بطريرك الكلدان في العراق والعالم لويس ساكو قال للوكالة نفسها الجمعة: "لاول مرة في تاريخ العراق، تفرغ الموصل من المسيحيين، فالعائلات المسيحية تنزح باتجاه دهوك واربيل في اقليم كردستان العراق".
وقال ساكو أن مغادرة المسيحيين، وعددهم نحو 25 ألف شخص، لثاني أكبر مدن العراق التي تضم نحو 30 كنيسة يعود تاريخ بعضها إلى نحو 1500 سنة، جاءت بعدما وزع تنظيم الدولة الاسلامية الذي يسيطر على المدينة منذ أكثر من شهر بيانًا يطالبهم بتركها.
وذكر ساكو أن البيان دعا المسيحيين صراحة إلى اعتناق الاسلام، او دفع الجزية من دون تحديد سقفها، أو الخروج من مدينتهم ومنازلهم بملابسهم من دون امتعة، كما افتى أن منازلهم تعود ملكيتها منذ الان فصاعدا إلى الدولة الاسلامية.
إسلام أو عهد ذمة
أفاد شهود عيان في الموصل، التي تعود غالبية جذور المسيحيين العراقيين اليها، بأن بعض مساجد المدينة قامت الجمعة بدعوة المسيحيين إلى المغادرة عبر مكبرات الصوت، مذكرة ببيان الدولة الاسلامية، ومؤكدة انه سيتم تصفية من يمتنع عن الخروج.
وكان بيان صادر عن ولاية نينوى حمل توقيع الدولة الاسلامية وتاريخ الاسبوع الماضي قد انتشر على مواقع على الانترنت، وجاء فيه أن هذا التنظيم أراد لقاء قادة المسيحيين حتى يخيرهم بين الاسلام وعهد الذمة، اي دفع الجزية، مهددا بأنهم إن ابوا ذلك فليس لهم الا السيف.
وبما أن هؤلاء رفضوا لقاء قادة التنظيم، فإن امير المؤمنين الخليفة ابراهيم، زعيم الدولة الاسلامية، سمح للمسيحيين بالمغادرة بانفسهم فقط من حدود دولة الخلافة في موعد آخره السبت 21 رمضان الساعة الثانية عشر ظهرا، اي 19 تموز (يوليو). وختم البيان: "بعد هذا الموعد ليس بيننا وبينهم الا السيف".
ملك الدولة
قال فادي: "وصلني كتاب موقع من ديوان قضاء الدولة الاسلامية، واستنتجت انهم سيقتلونني، لكني لا أرى جدوى للمغادرة، فأنا اصلًا بلا مال. وها انا اجلس هنا، انتظر أن يأتوني". أضاف: "عناصر داعش اخذوا من امرأة عجوز 15 ألف دولار، قالت لهم اعطوني مئة دولار فقط لادفعها اجرة للسيارة، فقالوا إن المال اصبح ملكًا للدولة الاسلامية ولا يمكنهم التصرف فيه".
وسحب المسلحون الجوازات والبطاقات الشخصية لكل من يخرج من الموصل باتجاه اقليم كردستان، بحسب شهود عيان.
وقبيل النزوح من الموصل، شهد العديد من القرى القريبة من هذه المدينة الاستراتيجية حالات نزوح كبيرة لسكان مسيحيين خوفًا من دخول المسلحين المتطرفين اليها، وبينها بلدة برطلة المسيحية، التي يعيش فيها نحو 30 الف شخص، وتقع إلى الشمال من الموصل.
وتتعرض الكنائس في العراق منذ العام 2003 لهجمات متكررة. وأدى اخطر هجوم استهدف المسيحيين إلى مقتل 44 مصليًا وكاهنين في كنيسة للسريان الكاثوليك بقلب بغداد، في 31 تشرين الاول (اكتوبر) 2010. ودفعت أعمال العنف هذه إلى هجرة عدد كبير من مسيحيين العراق خارج البلاد.
سيرًا على الأقدام
وذكر تقرير سابق لمنظمة "حمورابي لحقوق الانسان" العراقية أن عدد المسيحيين انخفض من 1,4 مليون مسيحي في العام 2003 إلى قرابة نصف مليون حاليًا، ما يعني هجرة اكثر من ثلثيهم. وفي دهوك، قالت احلام التي وصلتها سيرًا على الاقدام بعد أن استولى عناصر الدولة الاسلامية على سيارة زوجها عند نقطة تفتيش شمال الموصل: "وصلنا إلى تلكيف في حالة من التعب الشديد، لم نأكل شيئًا ولم نشرب ماءً على مدى نهار كامل".
واضافت: "كنت وزوجي نحمل اطفالنا على اكتافنا طول الطريق، ونقلنا بعض عابري السبيل بلا مقابل، بعدما سلبنا عناصر داعش في حاجز التفتيش".
وروت أحلام انها رأت كبارًا في السن، ومعاقين على كراسي متحركة بين النازحين، وصلوا إلى دهوك، على بعد نحو 60 كلم شمال الموصل. وقالت باكية: "تركت في الموصل منزلًا كان ملكا لعائلتنا منذ عشرات السنين، تهاوى امام عيني بلحظة واحدة، وصار بكل سهولة ملكا للدولة الاسلامية من دون وجه حق".