التماس بلا قيمة قانونية لتحسين صورة الحكومة
قضية كريم واد: هل تتراجع المحكمة العليا أمام السلطة السنغالية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لاتزال محاكمة كريم واد في السنغال تأخذ حيزًا كبيرًا من الحياة السياسية في هذا البلد، فالسلطة تلتمس من المحكمة العليا تراجعها عن قرار بقبول اعتراضات محامي واد، في مسعى إلى تحسين وضع الحكومة في هذه المسألة.
ساره الشمالي من دبي: في الأول من آب (أغسطس) الجاري، وعدت الحكومة السنغالية بأن يحظى كريم واد، نجل الرئيس السنغالي السابق عبدالله واد، بمحاكمة علنية وعادلة يحق للجميع متابعتها. وحينها، قال صديقي كابا، وزير العدل السنغالي، إن ملف محاكمة واد يصل حجمه إلى أكثر من 40 ألف صفحة، وإن نسخًا من الملف تم تسليمها إلى محاميه، وإن حكومته ستضمن محاكمة علنية وعادلة لواد.
محاكمة سياسية
أحدثت محاكمة واد سجالًا مستمرًا في السنغال، بعدما أكد أمام قضاة المحكمة الخاصة بالإثراء غير المشروع، المشكوك في مشروعيتها أصلًا، في جلسة 31 تموز (يوليو) الماضي، أنه سجين سياسي، فيما قالت جمعية حقوق الإنسان في السنغال إن المحاكمة لن تكون عادلة، لأنها تقتضي من واد إثبات براءته أمام المحكمة، بدلًا من ملاحقة مذنب.
وواد موقوف على ذمة التحقيق منذ 16 شهرًا، بتهمة جمع 178 مليون يورو بصورة غير مشروعة. لكن محاميه يقولون إن نصف هذا المبلغ موجود في حساب في سنغافورة وثبت أنه ليس عائدًا إلى موكلهم، وإن ثروته تناهز مليوني يورو، كسب القسم الأكبر منها عندما كان يعمل في المجال التجاري في أوروبا، قبل أن يصبح مستشارًا ثم وزيرًا خلال فترة حكم والده. وقال أحد محامي واد إن حكومة الرئيس الحالي ماكي سال تحاكمه لأسباب سياسية، مؤكدًا أن الشيء الوحيد الذي يريده سال هو التخلص من منافس سياسي قبل الانتخابات المقبلة.
قضاة أكفاء
إلا أن عمر يوم، الوزير والناطق بلسان الحكومة السنغالية، أصرّ في حديث صحافي على أن هذه المحاكمة ليست سياسية، "وسينال واد المحاكمة العلنية والعادلة التي يستحقها".
وقال إن الحكومة السنغالية تنظر إلى هذه المحاكمة نظرة صفاء ووضوح ومسؤولية، "وتأتي تماشيًا مع قواعد الشفافية ومكافحة الإفلات من العقاب، وهي قواعد العمل في حكومة السنغال، فالرئيس ماكي سال وصل إلى السلطة واعدًا بمكافحة الفساد، وهذا ما يفعله بالتمام والكمال، والشعب السنغالي واثق من ذلك، ويقف على قلب رجل واحد في هذا المسعى، لذا رفعت قضية واد أمام محكمة مكافحة الإثراء غير المشروع، وهي محكمة خاصة مستقلة، والأمر سيستمر على هذا المنوال".
يقول محامو واد إن موكلهم يجب أن يحاكم أمام المحكمة العليا، إلا أن يوم يقول إن محامين آخرين يناقضون هذا الرأي، "وهم محامون يتقلدون مناصب رفيعة، ويرون أن قضاة محكمة مكافحة الإثراء غير المشروع أكفاء جدًا للفصل في الجرائم التي يحاكم واد بسببها.
بلا قيمة قانونية
وقدم المدعي العام أمام المحكمة العليا التماسًا لإلغاء قرار المحكمة الجنائية رقم 23 الصادر في 6 شباط (فبراير) 2014، التي قبلت فيه المحكمة العليا الاعتراضات التي قدمها محامو واد، قائلًا في التماسه إنها غير مبنية على أسس دامغة.
يقول مراقبون سنغاليون إن السلطات السنغالية، وخصوصًا القضائية، تعرف تمام المعرفة أن هذا الالتماس لا قيمة قانونية له، وإنما يخدم الحكومة أمام الرأي العام، إذ ينقذ ماء وجهها بعدما قبلت المحكمة العليا، في شباط (فبراير) الماضي، احتجاجات واد ومحاميه.
ففي غياب هذا الالتماس، ترجّح الكفة القانونية لمصلحة واد، في معركته مع المحكمة الخاصة بمكافحة الإثراء غير المشروع، التي تشكك منظمات قانونية محلية وأفريقية ودولية بشرعيتها. وهذا ما تسعى السلطة إلى تجنبه، من خلال التماسها أمام المحكمة العليا. وفي أي حال، ستثبت مناورات الحكومة السنغالية أن رفض هذا الالتماس يشكل تهديدًا حقيقيًا لموقفها.
تحسين وضع السلطة
يقول محامون إن الالتماس لا يمكن اعتباره بأي حال من الأحوال قرارًا تصحيحيًا، إلا أن كل شيء يشير إلى أن الرئيس السنغالي الحالي ماكي سال وموظفيه يحاولون تصحيح قرار المحكمة العليا نفسها، لتتم محاكمة واد أمام المحكمة الخاصة بمكافحة الإثراء غير المشروع، ولتكون السلطة أكثر راحة في هذه المسألة المعقدة على الصعيدين السياسي والقانوني.
إلى ذلك، يدعو المدعي العام عبد الله غاي إلى إجراء إصلاحات قضائية كبيرة، لحسن سير العدالة، واحترام حقوق الإنسان. وفي هذا، يتصرف المدعي العام بضوء أخضر من الحكومة والرئيس ماكي سال، من أجل إزالة أي عائق من أمام محاكمة واد في المحكمة الخاصة بمكافحة الإثراء غير المشروع، أو أمام استمرار هذه المحكمة في أعمالها على أقل تقدير. لكن الجميع في السنغال يدرك أن الطلب من قضاة المحكمة العليا التراجع عن قرار اتخذوه يعني الطلب منهم التخلي عن مصداقيتهم، ومصداقية القضاء السنغالي بكامله.