الجدل محتدم حول الغارات المصرية الإماراتية على ليبيا
هل بدأ الخروج على "وشم التحالف" مع أميركا؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
فجّرت حكاية "الضربات الجوية"، التي قال مسؤولون أميركيون إن مصر والإمارات نفذتاها على إسلاميين في ليبيا، "رغم نفي الدولتين"، فجّرت تساؤلات مهمة في هذه المرحلة المفصلية في شأن علاقات الحلفاء الإقليميين مع واشنطن.
نصر المجالي: بين نفي وتراجعات أو تأكيدات لمثل تلك الغارات الجوية من جانب مسؤولين في الإدارة الأميركية ومن مسؤولين مصريين وإماراتيين، فإن تقريرًا بريطانيًا طرح تساؤلًا مهمًا حول ما إذا ستكون ليبيا بداية إمساك دول الخليج العربية لزمام المبادرة في الصراعات الإقليمية والاستغناء عن الدور الأميركي.
يقول التقرير إنه بدون الدخول في تفاصيل ما حدث خلال الأيام الماضية في ليبيا بالتزامن مع المزاعم الأميركية بأن الإمارات ومصر وراء غارات جوية نفذت ضد مقاتلين متشددين، فإنه بالرغم من نفي مصر لذلك، فمن الواضح أن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة بدأوا بالفعل في البحث عن وسائل جديدة لحماية أنفسهم من تهديدات يعتقدون أن واشنطن لا تأخذها على محمل الجد بما فيه الكفاية.
وقالت صحيفة (الغارديان) البريطانية في تعليقها على الغارات وتداعياتها إن تطورات الأوضاع وإطاحة الربيع العربي بمعظم الحكام من أصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة، إضافة إلى التقارب الأميركي ـ الإيراني، قد تدفع إلى انفراد دول الخليج بالقرارات السياسية في صراعات المنطقة من دون الرجوع إلى واشنطن.
وأشارت إلى أن دعم الغرب للمعارضة السورية على سبيل المثال ساهم في زيادة الهوة مع ملوك الخليج، الذين يرون تعارضًا بين مفاهيم المعارضة والديموقراطية من ناحية والاستقرار في المنطقة من ناحية أخرى، وذلك رغم دعم قطر والسعودية لجماعات متشددة من المعارضة السورية المسلحة.
تعاون عسكري
وتوقعت كاتبة التقرير جين كيننمونت أن تشهد الفترة المقبلة تعاونًا على نطاق واسع في المجال العسكري بين جيوش دول الخليج المسلحة والمموّلة بسخاء وجيوش الدول الأكثر فقرًا في المنطقة، التي تتمتع بكثافات سكانية عالية، والتي أصبحت تعتمد اقتصاداتها بشكل أكبر على المعونات الخليجية، مثل مصر والأردن، إضافة إلى باكستان، التي تعد مصدرًا رئيسًا للمجندين في جيوش بعض دول الخليج.
وتختم كيننمونت قائلة: "يبدو أن الخليج، الذي لن يصعب أن يتخلى عن الغرب بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص، كمصدر رئيس للسلاح، سيسعى في الفترة المقبلة إلى تقليل اعتماده عليها من الناحية الأمنية، وضربت مثالًا على ذلك بالإمارات، التي شرعت في استثمارات في شركة "بياجيو آيرو" الصناعية، التي تنشط في مجال الطائرات المدنية وطائرات الاستخبارات - الأنظمة الجوية بدون طيار، والمراقبة والاستطلاع".
حالة تجاذب
يشار إلى أن موضوع الغارات وتأكيدها ظل موضع تجاذب عند صانعي القرار والمحللين في واشنطن والإمارات ومصر، فقد كان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، جون كيمبرلي، قال إن الولايات المتحدة تعتقد أن الإمارات العربية المتحدة ومصر شنتا غارات على أهداف داخل ليبيا خلال الأيام القليلة الماضية، من دون تقديم أي تفاصيل إضافية.
وردًا على ذلك، سارعت كل من الإمارات ومصر إلى نفي هذه الأنباء، حيث قال وزير الخارجية الإماراتي، أنور القرقاش، في تغريدة بتاريخ 24 أغسطس (آب) الجاري: "محاولة إقحام اسم الإمارات في الشأن الليبي هروب من مواجهة نتائج الانتخابات والشرعية التي أفرزتها ورغبة الغالبية في ليبيا في الاستقرار والأمن".
وأضاف: "سيتضح جليًا وقريبًا أن من يستهدف الإمارات هو من يرفض نتائج الانتخابات ونهج بناء المؤسسات". وأضاف أن زجّ اسم الإمارات ومصر والسعودية " مصدره واحد"، وهو "تيار أراد من خلال عباءة الدين تحقيق أهدافه السياسية". وختم بالقول: "الشعوب اكتشفت كذبهم وفشلهم".
لا تأكيد أو نفي
كما كانت الناطقة باسم الخارجية الأميركية، جين بساكي، رفضت تأكيد صحة التقارير التي تحدثت عن غارات لطائرات أجنبية في ليبيا، كما رفضت التعليق على الاتهامات التي وجّهتها قوى ليبية إلى مصر والإمارات بالمشاركة فيها، ولكنها أكدت رفض بلادها لـ"التدخل الخارجي" في الأزمة الليبية، معلنة أن واشنطن تواصلت مع القاهرة أخيرًا.
وقالت بساكي، ردًا على سؤال حول التقارير، التي تشير إلى مشاركة طائرات مصرية وإماراتية بالغارات على ليبيا: "لست في موقع تأكيد صحة تلك التقارير أو تقديم أي معلومات إضافية حول تلك الغارات، وعلى الصحافيين توجيه أسئلتهم إلى الحكومات في ليبيا ومصر والإمارات، وبالنسبة إلينا فنحن مازلنا نشجع على دعم المؤسسات الليبية المنتخبة واتخاذ كل الخطوات المؤدية إلى الاستقرار ووقف إطلاق النار".
ولدى سؤالها، في المؤتمر الصحافي اليومي في وزارة الخارجية الأميركية الاثنين الماضي، حول ما إذا كانت عبر هذه التعليقات تؤكد حصول الغارات، ردت بساكي بنفي ذلك، مشيرة إلى أنها تعلق على "ما جاء في التقارير".
وعند سؤالها ما إذا كانت واشنطن ستشعر بـ"خيبة أمل" في حال تأكد مسؤولية الإمارات ومصر عن الغارات، قالت بساكي: "لن أنجر نحو أسئلة افتراضية حول هذه القضية.. التحديات الليبية معروفة، وهي سياسية، ولن تُحل بالعنف، وتركيزنا هو على العملية السياسية هناك، ونعتقد أن أي تدخل خارجي سيزيد من تعقيد الانقسام الداخلي ويزعزع العملية الانتقالية الليبية.
وعن حصول اتصالات بين واشنطن وسفيريها في القاهرة وأبوظبي لمعرفة الموقف من التقارير حول الغارات، ردت بساكي بالقول: "نحن نتحدث مع نظرائنا في تلك الدول على الدوام، ووزير الخارجية، جون كيري، تحدث الاثنين إلى نظيره المصري، سامح شكري، ولكن ليس لديّ ما أنقله عن أجواء المناقشات".
غياب المشاركة الأميركية
إلى ذلك، قال تقرير لوكالة (رويترز) إنه من شأن المسؤولية العربية عن الهجمات أن تضيف عاملًا جديدًا إلى صورة يظهر فيها حلفاء الغرب في المنطقة وهم يتصرفون على نحو مستقل في غياب المشاركة الأميركية الحاسمة سعيًا منهم إلى تحقيق أهداف أمنية قد لا تتفق معها واشنطن. وكانت الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون، بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا، حثوا في بيان مشترك على عدم التدخل في ليبيا التي تشهد أسوأ أحداث عنف منذ الإطاحة بمعمّر القذافي في 2011.
ويضيف التقرير: "وأيا كان من نفذ الغارات فإنها تتماشى مع الجهود الأوسع التي تبذلها مصر وحلفاؤها السنة المحافظون لحسر نفوذ جماعة الإخوان المسلمين وراعيتها قطر".
ويعيد التقرير إلى الذاكرة تراجع الرئيس باراك أوباما عن توجيه ضربات جوية إلى سوريا كان قد أوشك على توجيهها، حيث قال الرئيس نفسه حينها: "إن حلفاء أميركا في المنطقة يجب أن يلعبوا دورًا أكبر في معالجة الأزمات المحلية".
هنا تنقل (رويترز) عن الخبير السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله قوله: "في ضوء عدم تحرك الولايات المتحدة في سوريا، فإن الرسالة واضحة، وهي أن عليكم أن تعنوا بشؤونكم"، مؤكدًا أنه لا يعرف على وجه اليقين إن كانت الإمارات قد شاركت أم لا. وقال عبد الله إنه إذا كانت الإمارات قد شاركت في الغارة، فإنه لا بد وأن تكون لديها "أسباب قوية جدًا لفعل ذلك". وأضاف أنه إذا أصبحت ليبيا دولة فاشلة مصدرة للمتطرفين، فإن استقرار مصر المجاورة سيكون في خطر. وتابع قائلًا: إن العالم منشغل بأزمات أخرى كثيرة، ومن ثم ربما يتطلب الأمر اتخاذ إجراء لمنع هيمنة المتطرفين.
صفحة جديدة
من جهته، قال ثيودور كاراسيك مدير الأبحاث في مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (إينغما) في دبي إنه إذا كانت مصر والإمارات قد نفذتا الغارات حقًا، فإن ذلك سيفتح صفحة جديدة في العلاقات بين العرب. وأضاف "الشعور السائد هو أن أميركا لا تدافع عن قيمها وسياساتها في المنطقة"، مشيرًا إلى نظرة عربية شائعة بأن الإدارة الأميركية كانت مترددة في دعم المعارضة التي تقاتل للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.
ويتابع كاراسيك: "ومن ثم فإن هذه الدول ستحمل على عاتقها الآن عبء التحرك بنفسها. ومن المفارقات أن هذا ما تطلبه منها واشنطن بشكل عام: حلوا مشاكلكم بأنفسكم".
وقال كاراسيك "النقطة المهمة هنا أن القوى الإقليمية تسلك طريقها صوب التفويض الداعم... وهذا لأن المنطقة تريد أن تضبط نفسها من دون انتظار قرارات من خارجها".
شركاء أنشط
على هذا الصعيد، يرى خبراء في شؤون المنطقة أنه قد يكون على الغرب من جانب آخر أن يعتاد على أن يتخذ الشركاء موقفًا أنشط في صراع على النفوذ تقف فيه مصر ومعظم دول الخليج العربية المحافظة أمام قطر والسودان وتركيا وإيران التي تتعاطف مع الإسلاميين. يشار هنا إلى أن عددًا من القوى العربية كانت استخدمت مجموعة من الأدوات خلال السنوات الأربع الماضية، منها القوة المسلحة والمساعدات والتمويل والدبلوماسية لتوجيه الأحداث في مصر واليمن وسوريا وليبيا على نحو يخدم مصالحها.
ويقول محللون: ورغم أن الاختلافات في السياسة بين واشنطن وحلفائها العرب ليست بجديدة، فإن ميل البعض إلى السير بمفرده من أجل تحقيق أهدافه أمر لم يكن مألوفًا. ويقول تقرير (رويترز) إن مصر مثال واضح، فقد ثار غضب السعودية لدى الإطاحة بحسني مبارك عام 2011 وما أعقبه من تولي الإخوان المسلمين، الذين لا تثق بهم الرياض السلطة. وساعدت قطر على تمويل الحكومة الإخوانية المنتخبة أثناء رئاسة محمد مرسي الذي عزله الجيش في العام الماضي.
ومنذ ذلك الحين تقدم السعودية والإمارات المال لدعم الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي قاد عملية عزل مرسي، حين كان قائدًا عامًا للقوات المسلحة ووزيرًا للدفاع بعد إطاحة حكم الإخوان.
ويخشى رجال السيسي الآن أن يضع الإسلاميون، إن ترك لهم العنان في ليبيا مع حالة الفوضى التي تكتنفها، حجر الأساس لعودة الإخوان المسلمين في مصر يومًا ما. وفي الأخير، فإنه مقابل ذلك، فإن لدى معظم الدول العربية الخليجية شكوكاً قوية إزاء الإخوان، كما إن استقرار مصر مسألة بالغة الأهمية بالنسبة إلى الدول الخليجية العربية، إذ يرونها الحليف الرئيس في المنطقة في المواجهة مع إيران (الشيعية)، التي ترى فيها الرياض "قوة توسعية"، تعكف على تصدير الثورة إلى العالم العربي، وتتدخل في شؤون جيرانها الخليجيين، لكن طهران تنفي أي تدخل من هذا النوع.
&