كلام في الهمس والعلن وتجاذبات والحاجة إلى غطاء جوي وأسلحة
الجيش اللبناني بين نارين بعد عرسال
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خاص - إيلاف من بيروت: تتعرض المؤسسة العسكرية في لبنان لحملات بين وقت وآخر، في الإعلام كما في المجالس السياسية، في العلن كما في الهمس، على خلفية معركة عرسال في 2 آب (أغسطس) الماضي وتداعياتها المستمرة، وأبرزها القضية التي انبثقت من تلك المعركة، وهي أسر العسكريين من الجيش وقوى الأمن الداخلي لدى تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة".
من جانب تحالف قوى 8 آذار (مارس) الذي يقوده "حزب الله"، تتركز الإنتقادات على ترك "المسلحين الإرهابيين" يسيطرون على بلدة عرسال قبل وقوع المعركة، وذلك رغم أن مؤشرات كثيرة كانت قد تجمعت على مدى&أشهر طويلة إلى أن تمركزهم في هذه البلدة السنية الواقعة على الحدود اللبنانية الشرقية مع سوريا سوف يؤدي إلى كارثة.
وحتى بعدما وقعت الكارثة سيطر التردد على القرار العسكري فلم يصدر عن القيادة أمر باجتثاث "المسلحين الإرهابيين"، الذين يختبئون خلف أهالي عرسال والمدنيين السوريين النازحين إليها، ليقيموا في مخيمات أو في منازل ومآوى قدمت لهم.
في حسابات أصحاب هذا الرأي من "حزب الله" وحلفائه، أن المؤسسة العسكرية اللبنانية يمكنها الإستعانة بجيش النظام السوري الذي يقصف بالطائرات الحربية مواقع المسلحين في منطقة القلمون السورية الواقعة خلف الحدود، والتي باتت بلدة عرسال المصدر الوحيد لإمداد مسلحي المعارضة السورية فيها بالمواد الغذائية ومقومات الإستمرار الأخرى.
كما أن القوات العسكرية التابعة لـ"حزب الله" هناك، والمقدرة بأكثر من 3 آلاف عنصر، جاهزة للمساندة، وهي مزودة بما يكفي من أسلحة ثقيلة مدفعية وصاروخية ذات كثافة نارية عالية.&
المشكلة بحسب أصحاب هذا الرأي هي غياب القرار بالمواجهة&والحسم مهما كلف الأمر من تضحيات، خلافاً لما كان عليه الأمر عند مواجهة الجيش لحركة "فتح الإسلام" الإرهابية التي تحصنت في مخيم نهر البارد عام 2007، علمًا أن المسلحين في منطقة عرسال هم من طبيعة "فتح الإسلام" نفسها بدليل أسلوب تعاملهم مع الجيش وبقية اللبنانيين، وإقدامهم على أعمال الذبح والإعتداءات بالقتل والتفجير وسوى ذلك.
وحتى بعد المعركة ما كان على الجهة التي تدير المواجهة ـ أي الحكومة برئاسة رئيسها تمام سلام و"خلية الأزمة" التي شكلها من وزراء الداخلية والدفاع والعدل وقادة عسكريين، قبل أن ينضم إليها وزير المال لاعتبارات مذهبية تتمثل بضرورة مشاركة الشيعة ـ& أن توافق على تنازلات في عملية التفاوض على إطلاق الأسرى من العسكريين، تتضمن أو توحي القبول بمبدأ إطلاق موقوفين ومعتقلين من هؤلاء المسلحين ومن الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية منذ 6 أعوام وأكثر.
الرأي الآخر المنتقد همسًا، من جهة مؤيدين لقوى 14 آذار، أو خصوم "حزب الله" على الأصح، يحمّل هذا الحزب المسؤولية عن كل ما جرى من تفجير سيارات مفخخة في بعض المناطق ذات الكثافة الشيعية حتى انفجار الموقف في عرسال، وذلك بفعل إصرار "حزب الله"& على المشاركة في الحرب السورية إلى جانب النظام ضد الثائرين عليه.
يذكّر هؤلاء باستمرار بأن الحزب أدار أذناً صماء& لكل المناشدات لإخراج وحداته المسلحة من البلد المجاور، بما يتيح للسلطات اللبنانية الإنصراف إلى تحصين الحدود مع سوريا بالقوات العسكرية الشرعية، مع إمكان الإستعانة بقوات دولية أو على الأقل بمساعدة لوجستية وتقنية يتيحها مضمون قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701. لو تجاوب الحزب، على ما يقول المعترضون عليه، لكان لبنان في موقع القوة لأنه سبق أن بنى سياسته حيال التطورات في سوريا& منذ اندلاع الأزمة فيها منتصف آذار (مارس) 2011 على قاعدة "النأي بالنفس" في ظل حكومة الرئيس السابق نجيب ميقاتي التي كان يسيطر عليها "حزب الله" إجمالاً.
ما حصل ـ يضيف المعترضون ـ أن ذرائع الحزب للتدخل في الشأن السوري تدرجت من توفير الحماية لمقام السيدة زينب ومواقع دينية شيعية أخرى إلى حماية قرى للبنانيين خلف الحدود إلى ضرورة مهاجمة بلدة القصير وتدميرها حماية للشيعة في البقاع، حتى بات "حزب الله" هو البديل من قوات "أبو الفضل العباس" العراقية التي تم سحبها من سوريا بعيد هجوم تنظيم "داعش" الواسع في العراق وانفراط الجيش هناك. مما يدل على أن هناك قيادة للمعركة في سوريا والعراق ولبنان مركزها طهران، وبالتالي عبث التفاهم مع "حزب الله" على سياسة أو استراتيجية لبنانية تجاه الأحداث في سوريا.
أما ما أراده الحزب ـ في رأي هؤلاء ـ&من أحداث عرسال فهو انخراط الجيش اللبناني في المواجهة الكبيرة الدائرة في المنطقة إلى جانب المحور الذي تقوده طهران. وبما أن بلدة عرسال تضخمت سكنيًا وباتت تضم ما يزيد على مئة ألف نسمة من اللبنانيين السُنّة والسوريين النازحين، كما أن أراضيها الجردية تمتد على مساحات شاسعة جدًا، وتعد أكبر حتى من قطاع غزة، فإن الطريقة الفضلى هي دفع الجيش اللبناني إلى السيطرة عليها، وعلى جرودها بقصد قطع طريق الإمدادات على الثوار السوريين الذين نزلت بهم خسائر فادحة في القلمون بفعل المواجهات، والذين أنزلوا بدورهم خسائر فادحة في صفوف مسلحي "حزب الله" في المنطقة نفسها، حتى باتت عرسال شوكة في خاصرة الحزب يتوجب انتزاعها.
وغني عن الشرح أن مهاجمة "حزب الله" لعرسال تؤدي إلى اندلاع مواجهات مذهبية على أراضي كل منطقة البقاع المختلطة وربما في كل لبنان، في حين أن كل الأطراف بمن فيهم الحزب يحرصون على التهدئة وإبعاد كأس "الفتنة" عن اللبنانيين وفقًا لتفاهم إقليمي - دولي ثبت وجوده في أكثر من مناسبة وبعد حوادث متعددة.
تأخذ القيادة المسؤولة عن القرار كل هذه الاعتبارات في الحسبان وتتصرف بدقة كي تضبط ما أمكنها الحدود مع سوريا، وذلك رغم النقص في التجهيزات العسكرية والعديد وصعوبات هائلة تحوط بكل خطوة تقدم عليها، كما تتحسب لانعكاسات أي قرار تتخذه على الصعيد الوطني العام، فأبناء عرسال لبنانيون تتوجب حمايتهم، وإن أيّد بعضهم الثورة السورية بإفراط نظراً إلى روابط كثيرة تربطهم بعناصرها، وقد دفع عدد منهم حياتهم لدفاعهم عن العسكريين ورفضهم احتلال المسلحين لبلدتهم.
من جهة أخرى لا تستطيع المؤسسة العسكرية الإنحياز في الداخل لأنه يؤدي إلى انفراط ما تبقى من وحدة بين اللبنانيين. وهي والحكومة تدعو باستمرار وسائل الإعلام والسياسيين إلى الابتعاد عن التحليلات وتداول المعلومات التي تتناول المؤسسة العسكرية والإكتفاء بمحضها الثقة ودعم الجهود الرامية إلى تسليحها بما يلزم في هذه المرحلة الصعبة، سواء بهبة المليارات الأربعة من العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز أو بالتقديمات الأميركية وهبات "المجموعة الدولية من أجل مساعدة لبنان". غير ذلك لا يفيد. تكفي إشارة إلى الخسائر الكبيرة التي تكبدها الضباط والجنود اللبنانيون في أول يوم من قتال ضد مسلحي "داعش" و"النصرة". خسائر ما كانت بهذا الحجم لو كان الجيش يتمتع بغطاء جوي وأسلحة مناسبة.