زعيم الشعبي أدّى القسم الدستوري أمام فليبي السادس
إسبانيا تخرج من حالة انسداد لتدخل فترة سياسية عاصفة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من الرباط: أدى ماريانو راخوي، زعيم الحزب الشعبي الإسباني، صباح الاثنين، في القصر الملكي "لاثرثويلا" في مدريد اليمين الدستورية أمام الملك فيلبي السادس، الذي أشرف على هذا الطقس الدستوري للمرة الأولى، منذ تتويجه ملكا للبلاد عقب تنازل والده الملك خوان كارلوس،عن العرش لصالحه باعتباره وليا للعهد.
وكانت رئيسة مجلس النواب، أنا باستور، اجتمعت بالملك في يوم عطلة الأحد، ونقلت إليه نتائج التصويت على منح الثقة لراخوي، يوم السبت حيث حصل على تزكية 170 صوتا مقابل 111 رفضوا تأييده ؛وبذلك يكون قد فاز بالأغلبية النسبية التي سهّلها غياب نواب الحزب الاشتراكي، خلال الجولة الثانية والأخيرة من التصويت ؛علما أن الاشتراكيين اتخذوا موقفا رافضا في جولة التصويت الأولى، إسهاما منهم في حل المعضلة السياسية التي واجهتها البلاد منذ نهاية السنة الماضية، حتى أصبحت قاب قوسين أو أدنى من إعادة الانتخابات التشريعية للمرة الثالثة، بعد أن تعذر إفراز أغلبية برلمانية منسجمة ملتفة حول مرشح لرئاسة السلطة التنفيذية.
نهاية سعيدة لمسلسل بطيء&
ولم يتأخر راخوي في تحديد موعد الإعلان عن فريقه الحكومي حتى يتمكن من عقد أول اجتماع مجلس الوزراء يوم الجمعة المقبل وهو الموعد الأسبوعي المعتاد بالنسبة إلى جميع الحكومات التي عرفتها إسبانيا منذ اقرار الديمقراطية وتبنيها نظام الملكية البرلمانية.
وفي هذا السياق، سيعود رئيس الوزراء إلى القصر الملكي يوم الخميس، حاملا معه لائحة الوزراء لعرضها على الملك قصد الاطلاع والموافقة الشكلية، ليكون أول من يعلم بها في البلاد، تقديرا لمكانته الرمزية.
بعد ذلك وفي اليوم نفسه أو الموالي، تتم المناداة على الوزراء بأسمائهم لأداء القسم أمام الملك، لتؤذن تلك اللحظة بانتهاء فترة ثقيلة من الحيرة والترقب بل الخوف، لم تعرف البلاد مثيلا لها من قبل وتحملتها قرابة السنة من دون سلطة حكومية كاملة الصلاحيات،فترتب عن ذلك ركود سياسي واقتصادي وغياب حركية دبلوماسية في الخارج، بالنظر إلى أن الدولة لم تكن تسير بالسرعة المطلوبة وبمحركات اتخاذ القرار المعتادة.
وبرأي محللين إسبان وأجانب، فإن النهاية السعيدة لمسلسل بطيء وممل طال أكثر من 300 يوم، لا تعني الخلاص من كل المشاكل، ذلك ان حكومة الأقلية ستظل رقبتها تحت سيف مكونات المعارضة ؛ فهذه إن اتحدت فستكون قادرة على ارباك عمل الحكومة وعرقلة الإصلاحات والسياسات التي تنوي القيام بها &وتكون ملزمة لتمريرها بعرضها على أنظار مجلس النواب للمصادقة أو الرفض أو التعديل.
وتستوجب هذه "الفرملة "المحتمة لسرعة رئيس الحكومة،أن يكون الأخير مناورا و مرنا لتمرير سياساته، بإرضاء بعض مطالب الأحزاب وخاصة التي ساندته بالتصويت لصالحه مثل حزب "مواطنون" وبالتغيب الإيجابي مثلما الحزب الاشتراكي العمالي في الجولة الثانية المصيرية.
والواقع ان راخوي ومعه الحزب الشعبي، سيظل مدينا لموقف الاشتراكيين بالخصوص، إذ لولا موقفهم الوطني وتعريضهم مصلحة حزبهم لمخاطر الانقسام والتشرذم، فإنه ما كان بإمكان زعيم الحزب الشعبي، أن يحكم للمرة الثانية ولو يوما واحدا؛ فحجم الخلافات والتباعد كبير بين الحزبين، ما جعل الاشتراكيين يوضحون موقفهم بقولهم إنهم يصوتون لأجل استقرار البلاد وإنقاذها من أزمة عميقة ومزمنة، وبالتالي فهم باقون في المعارضة.
ولا يشك أحد في أن رئيس الحكومة الإسبانية الجديد - القديم، يحس بثقل هذا الدين الأخلاقي والسياسي الموضوع على عاتقه، وأن أي ضرر سيصيب الحزب الاشتراكي في وحدته وتماسكه، سيعني تلقائيا إسقاط &حكومة الأقلية التي يرأسها راخوي، والدعوة إلى انتخابات تشريعية قبل أوانها ولذلك فإنه يشدد على مطلب الاستقرار الحكومي &ليشتغل الفريق الوزاري في مأمن من سيوف البرلمانيين المعارضين البتارة. وفي مجلس النواب الحالي خصوم &متشددون جاهزون للانقضاض على الحزب الشعبي.
الخيارات المتاحة قليلة&
والحقيقة ان الخيارات المتاحة لأطراف التحالف الثلاثي الاضطراري :الحزب الشعبي والاشتراكي العمالي و"ثيودادانوس" ليست كثيرة،إذ لا يمكن لحزب محافظ أن ينهج سياسة يسارية مثلما لا يمكن لحزب اشتراكي أن يساند من دون شروط، ما يقترحه اليمين من برامج للنهوض بالبلاد وإخراجها من أزمتها الكبرى.
ودفع هذا الإشكال راخوي إلى التعبير عن رغبته الصادقة في التعاون &ومد اليد إلى الاشتراكيين وثيودادانوس، اللذين سهّلا مهمته ؛ ملتزما بالتشاور المكثف بخصوص &ملف الإصلاحات الكبرى التي تنتظرها البلاد، وفي طليعتها التفاوض مع الاتحاد الأوروبي، والموازنة العامة للدولة والموقف من المطالب الانفصالية في إقليم كاتالونيا، وصياغة برنامج اقتصادي اجتماعي كفيل بخلق فرص العمل وجلب الاستثمار، والحد من تقليص الإنفاق على المرافق والخدمات المجتمعية.
هذه كلها ملفات ليس من السهل التوصل إلى "توافقات" بشأنها ما عدا إذا صدقت النيات وتضافرت الإرادات وغلبت مصلحة المواطنين على الأحزاب.وسيكون الفريق الحكومي الجديد مؤشرا على توجهات راخوي، ونواياه.
وهناك ملف كبير، يتطلب بدوره اتفاق الطبقة السياسية لمعالجته ألا وهو مراجعة الدستور أو تعديله حتى يواكب المستجدات والمتغيرات العميقة التي عرفها المجتمع الإسباني في العقود الأخيرة ؛ على الرغم من أن الدستور الحالي اعتبر نموذجيا في وقته وما زالت الكثير من بنوده صالحة لكي تضمن لإسبانيا الاستقرار والتوازن &بين السلط، باستثناء مشكل القوميات المطلة بعنفوان.
تجنيب البلاد اجراء انتخابات ثالثة انجاز سياسي كبير&
ويرى المراقبون أن تجنيب إسبانيا إجراء انتخابات ثالثة في ظرف سنة، يعد في حد ذاته إنجازا سياسيا كبيرا، عارضه تحالف الأحزاب القومية اليسارية، وحركة بوديموس، التي أربك دخولها القوي المشهد الحزبي بينما لم يكن النظام السياسي مهيئا &للتعاطي مع العواصف والضوضاء التي صاحبت تحرك "بوديموس"و اختلطت فيها الرعونة بالحماس والرغبة الجامحة في الإصلاح.
رفع زعيم الحزب الفتي، بابلو إيغليسياس، والمتعاطفون مع دعواته الفوضوية المناهضة للنظام &شعارات اجتماعية لاقت القبول من طرف فئات واسعة من الناخبين الإسبان، اعتادوا التصويت على اليسار المعتدل المتمثل في الحزب الاشتراكي ولكنهم صدموا في سياساته.استمالهم اليسار الجديد الذي تقوده زعامات شابة من دون الأربعين، ونجحوا في إيهام الناخبين بالأحلام الطوباوية وإقامة العدل والمساواة واستئصال الفساد من جذوره.
واستعملت القوى الجديدة المدعومة من الشباب العاطل، الناقم على السياسيين التقليديين، عبارات جارحة انعدم فيها الحياء السياسي قبل الأخلاقي في حق سياسيين من الحزب الاشتراكي والشعبي.ان المثال القوي للتهجم صدر أخيرا عن برلماني تابع للحزب الجمهوري اليساري من إقليم كاتالونيا، تميز تدخله &في جلسة التصويت على راخوي بالرعونة والعدوانية، استنكرته الطبقة السياسية ووسائل الإعلام ، تأذى منه بالخصوص الحزب الاشتراكي العمالي ورموزه التاريخيون أمثال فيليبي غونثالث رئيس الوزراء الأسبق لثلاث ولايات متتالية.
وطبقا لمؤشرات، فإن القوة الغاضبة المتمردة المدفوعة &بمزيج من مشاعر الحقد التاريخي على اليسار الاشتراكي واليمين الليبرالي، لن تترك الولاية التشريعية تمر بهدوء بل إنها دعت قبل أيام إلى تطويق البرلمان شعبيا &أثناء التصويت على رئيس الحكومة المعين من طرف الملك فيلبي السادس، طبقا للدستور، كما أن القوى نفسها المستفزة وخاصة بوديموس، دعت أتباعها للخروج إلى الشارع للاحتجاج على تزكية حكومة لا تتمتع بالأغلبية المطلقة من وجهة نظرها.
الاشتراكيون سيعاون من الضجيج والمزايدة&
وسيعاني الاشتراكيون أكثر من غيرهم من الضجيج والمزايدة عليهم سواء في الشارع أو المؤسسة التشريعية : فحزب بوديموس الفوضوي، مصر على انتزاع زعامة اليسار من الحزب الاشتراكي، ليحل مكانه ويتصدر المشهد السياسي.
وفعلا شرع &الفوضويون في تنفيذ مخططهم بعد إرغام ، بيدرو سانشيث، أمين عام الاشتراكيين على الاستقالة لرفضه الامتثال إلى قرار حزبه بالتغيب عن جلسة التصويت على راخوي، وعوض بقيادة جماعية لتدبير شؤون الحزب، مهمتها إعادة اللحمة إلى الصفوف المتصدعة والتمهيد الهادئ لانعقاد المؤتمر العام الذي يحسم في تجديد القيادة بعد فشل الأمين العام المقال،الممعن في التحدي، فقد أعلن رغبته في خوض غمار الانتخابات للعودة إلى زعامة الاشتراكيين، مستندا على قواعد التنظيم،التي يعتقد (سانشيث) انها ذات ميول يسارية موالية ووفية له ومعارضة لتأييد حكومة اليمين.
ومن المستبعد أن تكلل مغامرة الأمين العام المقال بالنجاح، فالتقليد المتبع بين الاشتراكيين أن أمينهم العام إذا ما فشل في تحقيق فوز انتخابي، أمام اليمين، فما عليه إلا المغادرة مرفوع الرأس.وما يقوي &احتمال فشله التصريحات التي أدلى بها صباح الاثنين أعرب فيها عن &تقاربه مع، بوديموس،وتوجيه النقد مجددا إلى غونثالث &لدرجة اتهامه الضمني بالكذب، مثلما كال النقد لرئيسة حكومة الأندلس، سوسانا دياث، واتهمها بربط الحزب بشخصها.يضاف إلى هذا التسرع،حملته على وسائل الإعلام &واتهامه بالاسم رئيس مجلس إدارة شركة "بريسا" الناشرة لجريدة " ال باييس ".
سانشيث راكم الهزائم&
والواقع أن بيدرو سانشيث، راكم الهزائم خلال ثلاثة استحقاقات متتالية في ظرف سنة، كما أن القيادات الاشتراكية المؤثرة، لم تستسغ موقفه الرافض بعناد لحكومة يقودها راخوي أملتها الضرورة السياسية، وظل لأشهر يكرر جملته الشهيرة " لا هي لا" فتندرت بها وسائل الإعلام. فلا هو استطاع إقناع الحلفاء المتوهمين أي،بوديموس، والأحزاب القومية، بالانضمام إليه ليرأس حكومة التغيير في المحاولة &الأولى، بل انه خرج من الانتخابات التشريعية الثانية بأقل عدد من المقاعد التي ضمنها في انتخابات ديسمبر الماضي.
لكن الزعيم الخاسر، سانشيث، حكم عقله في النهاية ورضخ لقرار إقالته من طرف رفاقه فتخلى عن مقعده في البرلمان لكي لا يحس بالتناقض بين موقفه الشخصي والانضباط لمقررات الحزب،معلنا دخوله السباق الحزبي مرة أخرى وقيامه بجولات في أنحاء البلاد للتعريف بنفسه.
ودرءا لحصول تصدعات جديدة وحدوث أزمات ضمير بين الاشتراكيين، فقد اعلنت القيادة الجماعية الموقتة،أنها لن تدعو إلى مؤتمر جديد قبل إعادة ترتيب البيت الاشتراكي ومعرفة المآل الذي ستنتهي إليه &الولاية التشريعية الحالية ومعها حكومة اليمين الأقلية.كما &ارتفعت اصوات منادية سانشيث بالكف عن المناورات والانسحاب مرفوع الرأس.
بوديموس وغياب قداسة المؤسسات&
&
وبات كثير من الاشتراكيين، يشعرون أن حزبهم مجبر على تغيير أوضاعه التنظيمية بمراجعة المرتكزات الإيديولوجية التي تأسس عليها قبل أكثر من قرن، وتغيير الخطاب السياسي وتجديد الأدوات القادرة على إحياء الصلة بينه وبين المجتمع، ولا سيما القوى الشبابية الصاعدة التي لا تشعر أنها مدينة لنضال الأحزاب التاريخية ضد ديكتاتورية الجنرال فرانسيسكو فرانكو ونظامه الاستبدادي ؛ فتلك صفحات ولت،وبالتالي فإن الحنين إليها لن يجدي نفعا.
لقد استغل" بوديموس" نزوع التغيير لدى &الكتلة الناخبة الشابة، وصار يخاطبها بما تحس &به من مفردات قريبة لوجدانها وليس لعقلها ؛ فلا قداسة في نظر الحزب الفتي للمؤسسات الدستورية العتيقة مثل البرلمان، الذي دخله نواب بوديموس بلباس الملاهي الليلية &كما أن زعيمهم، بابلو إيغليسياس،يذهب للاستقبالات الرسمية في القصر الملكي بلباس رياضي، متحرر من الحد الأدنى من اللياقة والأناقة التقليدية، وأكثر من ذلك أن نائبة وقيادية في بوديموس، حملت معها في الولاية السابقة،رضيعها إلى مجلس النواب لترضعه &على مرأى &ممثلي الأمة، بينما كان في إمكانها أن تتركه في حضانة المجلس، ما يعني أن تصرفها كان متعمدا وإمعانا في السخرية من "المقدسات" الدستورية.
لقد تنفست إسبانيا الصعداء دون أن تتخلص من أمراض الديمقراطية. فإذا كانت الفترة الماضية أفرزت نوعية القيادات الحزبية، فإن الشوط القادم سيحمل كثيرا من المفاجآت السارة والضارة.وعلى العموم يرى المراقبون ان الانتقال الديمقراطي استنفد كل أغراضه وانفتح الباب على مستقبل غامض؟